الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] (هذا إثبات لتوحيد الربوبية،) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّين [الفاتحة:3،4] إثبات لتوحيد الأسماء والصفات وقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] توحيد الألوهية وقوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] هذا توحيد من النوع الآخر وهو توحيد متابعة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فالصراط المستقيم هو الذي أوصى به الله عَزَّ وَجَلَّ، وهو الوصية العاشرة من الوصايا العشر التي لا يدخلها التغيير ولا يدخلها النسخ مهما تغيرت الشرائع (َأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153] فلما فسرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خط خطاً واحداً مستقيماً وخط خطوطاً معوجة فقرأ هذه الآية) .
والخط المستقيم هو: الصراط المستقيم الذي نسأل الله عَزَّ وَجَلَّ وندعوه أن يهدينا إليه في كل ركعة، (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وهو السنة الصحيحة التي كَانَ عليها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومهما اختلفت الأقوال في تفسيره فقيل: القُرْآن أو الإسلام أو السنة أو طريق أبِي بَكْرٍ وعُمَر فمعناها واحد، وهو من اختلاف التنوع لا من اختلاف التضاد، فهذا توحيد متابعة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وترك البدع.
وقوله تعالى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين) [الفاتحة:7] أي: غير من غلى ومن جفا ومن فرط ومن أفرط وهكذا فاليهود والنَّصَارَى هم قمة في الاتجاهين.
فالخوارج والصوفية غلوهم يشبه غلو النَّصَارَى، وأيضا المرجئة تفريطهم يشبه تفريط اليهود، وكذا أهل الكلام -مثلا- مجادلتهم في دين الله عَزَّ وَجَلَّ تشبه مجادلات ومماحكات اليهودمع أممهم ومع كتبهم.