والمعنى الصحيح: أنه لو كَانَ هناك آلهة غير الله سبحانه ممن تعبدون لابتغوا إِلَى ذي العرش سبيلاً، أي: لابتغوا التقرب والتعبد والتزلف إليه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كما في الآية الأخرى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً [الإِنسَان:29] كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة [المائدة:35] وكما في قول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء:57] فالمعبودون من الملائكة والأنبياء والأولياء الصالحين لله -سبحانه- هم يبتغون إِلَى الله سبيلاً.
فأنت تقول: أنا أتخذهم وسيلة إِلَى الله، بينما هم أنفسهم يتخذونه وسيلة إِلَى الله بالعبادة والعمل الصالح والخوف والرجاء والتقرب إليه، فعليك أن تتخذ أنت وسيلة إِلَى الله أيضاً.
وأما الأحجار والأشجار والأبقار والنَّار وكل ما يعبده المُشْرِكُونَ من دون الله مما لا تملك شيئاً ولا تفقه شيئاً، فهَؤُلاءِ لو كانت لهم إرادة في هذا الأمر -مثلاً- لتقربت هي إِلَى الله واتخذت الوسيلة إليه؛ لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- له وحدة الربوبية والألوهية لجميع المخلوقات فلا معبود سواه أبداً، فلو كَانَ هناك آلهة أخرى لكان شأنها أن تتقرب هي إِلَى الله سبحانه.
إذاً؛ لا توجد آلهة من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا من الأدلة عَلَى أن هناك آيات في كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- لها كلمات موجزة، تتضمن من الدلائل اليقينيات والبرهانيات ما يعجز العقل عن تصوره.
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[ثُمَّ التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه نوعان: توحيد في الإثبات والمعرفة، وتوحيد في الطلب والقصد.