فالقرآن إنما جَاءَ بياناً وهدى ورحمة وشفاء لما في الصدور، شفى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- به القلوب، وقضى عَلَى الشكوك والريب، فلا تجد إنساناً في أي دين من الأديان غير هذا الدين يعبد عَلَى ثقة واطمئنان قلبي أبداً، بل يتردد ويتشكك، ولهذا يوجد من كبار علماء اليهود والنَّصَارَى وأحبارهم من يفكر ثُمَّ يلحد ويترك دينه نهائياً، ويوجد منهم من يفكر ثُمَّ يدخل في الإسلام أو ينقلب إِلَى أي دين غير دينه، ولكن لم يوجد -ولله الحمد- فيمن رسخ إيمانه في هذا الدين من يرتد إِلَى دين آخر أبداً، لأن هذا الدين دين اليقين، وكل من يعبد الله بغير دين الإسلام فإنه في شك مما يعبد، ولو أنه حكم عقله لعرف أنه لا يعبد حقيقة إلا وفق آراء بشرية ومكتوبات إنسانية، إلا المؤمن فإنه يعبد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى بينة وبرهان وطريق مستنير واضح.

فمعنى قول المصنف: إن هذه الشبهة التي يزعم بعض النظار أنهم يدافعون بها عن الإسلام، لأن القُرْآن إنما جَاءَ بالأدلة الخطابية والأدلة العيانية، ويقولون: نَحْنُ نزيد ونضيف فندافع عن الدين بالقضايا العقلية، قد يكون هذا قول بعضهم، وإما أن يكونوا ملاحدة ينكرون ما في القُرْآن لأنه لم يأت بهذه القواعد، وكلاهما عَلَى خطأ، وإن كَانَ هَؤُلاءِ كفار وأولئك مخطئون، لكن نقول كما قال المصنف: إن القُرْآن تضمن هذه الأدلة وجاء بأوجز وأعظم الأدلة البرهانية، فإن من أعظم ما تسمونه البراهين النظرية أن تقولوا مثلاً: العالم متغير وكل متغير حادث وكل حادث لا بد له من محدث، إذاً فالله موجود وهو المحدث لهذا الكون، هذه التي يسمونها براهين تقوم عَلَى مقدمات، وطريقة القُرْآن تأتي في أجلى وأوضح أنواع الاستدلال، بحيث تحذف المقدمة الضرورية المعلومة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015