روى الإمام البُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ في هذه الآية أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام:65] قَالَ: (أعوذ بوجهك) . فاستعاذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينزل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- علينا عذاباً من فوقنا، إما القذف بالحجارة من السماء، وإما الغرق والمطر أو أي عذاب يأتي من السماء، كالصيحة أو الصاعقة ونحو ذلك، قَالَ: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ. فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أعوذ بوجهك) فاستجاب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- له وأعاذنا من أن يرسل علينا عذابا من تحت أرجلنا، وهو الخسف أو الغرق أيضا، أو أي عذاب يكون من تحت أرجلنا فيهلك الأمة عامة، وإلا فإن الخسف قد يقع لبعض الأمة والغرق والزلازل، ثُمَّ قَالَ: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْض قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هذه أهون، هذه أيسر) فهذا يدل عَلَى أن هذه الآية نزلت بعد أن دعا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالدعوات الثلاث، فلم تستجب له الدعوة الثالثة. فلذلك لم يقل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الثالثة: أعوذ بوجهك. بل قَالَ: (هذه أهون هذه أيسر) هذا هو الظاهر، والله تَعَالَى أعلم.
ولكن المهم من ذلك أنه كما روى الإمام مسلم، والإمام أَحْمَد في المسند وغيرهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استجاب الله له دعوتين ولم يستجب له الثالثة، وقد ورد في طرق هذا الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاة حسنة طويلة خاشعة فَقَالَ له معاذ -وفي بعض الروايات خباب -: يا رَسُول الله إنك صليت صلاة ما رأيتك صليت مثلها من قبل! قَالَ: (نعم، إنها صلاة رغب ورهب) .