قال الشارح رحمه الله: [وقوله: (ولا نتبرأ من أحد منهم كما فعلت الرافضة) فعندهم لا ولاء إلا ببراء، أي: لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأهل السنة يوالونهم كلهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإقساط، لا بالهوى والتعصب، فإن ذلك كله من البغي الذي هو مجاوزة الحد، كما قال الله تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُم} [الجاثية:17] ، وهذا معنى قول من قال من السلف: الشهادة بدعة، والبراءة بدعة، يروى ذلك عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين، منهم: أبو سعيد الخدري والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك وغيرهم، ومعنى الشهادة: أن يشهد على معين من المسلمين أنه من أهل النار أو أنه كافر، بدون العلم بما ختم الله له به.
وقوله: (وحبهم دين وإيمان وإحسان) لأنه امتثال لأمر الله فيما تقدم من النصوص، وروى الترمذي عن عبد الله بن مغفل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الله الله في أصحابي! لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه) .
وتسمية حب الصحابة إيماناً مشكل على الشيخ رحمه الله؛ لأن الحب عمل القلب، وليس هو التصديق، فيكون العمل داخلاً في مسمى الإيمان، وقد تقدم في كلامه أن الإيمان هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان، ولم يجعل العمل داخلاً في مسمى الإيمان، وهذا هو المعروف من مذهب أهل السنة، إلا أن تكون هذه التسمية مجازاً.
وقوله: (وبغضهم كفر ونفاق وطغيان) تقدم الكلام في تكفير أهل البدع، وهذا الكلام نظير الكفر المذكور في قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] وقد تقدم الكلام في ذلك] .
نقول: إن حبنا للصحابة رضي الله عنهم -كما سمعنا- إيمان، فحب الصحابة من الإيمان، وبغضهم من النفاق، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحب الأنصار إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق) ، وكذلك الحال في المهاجرين: (لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، والمهاجرون أقدم من الأنصار وأفضل، فبغضهم كفر ونفاق، وحبهم زيادة في الإيمان وقوة في الإيمان, وباعث على الأعمال الصالحة التي تنبعث من القلب.