والدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، وكل منهما ملازم للآخر، فالمصلي في صلاته يدعو ربه في كثير من أركان الصلاة وهيئاتها، ففي الفاتحة يقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] ، وهذا دعاء، وفي الركوع والسجود يقول: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، وهذا دعاء، وبين السجدتين يقول: رب اغفر لي، ويكرر ذلك، وهذا دعاء.
وكذلك في السجود مأمور بأن يكثر من الدعاء، وكذلك في آخر التشهد مأمور بأن يدعو، فالصلاة فيها دعاء، وكذلك الحج فيه الدعاء في الطواف، وفي السعي، وفي الوقوف بعد الرمي، وما أشبه ذلك، وهذا دليل على أن الله يحب من عباده أن يكثروا من دعائه، وأن لا يملوا من هذا الدعاء، وأنه سبحانه لا بد وأن يجيبهم إذا تمت الشروط.
وتقدم كلام ابن عقيل على هذه الأدلة التي فيها الأمر بالدعاء، فإنه استدل بها على أن الله تعالى موجود، فإن المعدوم لا يدعى، وأنه سبحانه قادر، فإن العاجز لا يمكن أن يطلب منه شيء، وأنه غني، ولو كان فقيراً لم يطلب منه شيء، فكيف يطلب من الفقير شيء وهو لا يجد! واستدل به على أنه كريم؛ وذلك لأن الكريم هو الذي يجود، وهو الذي يهب مما عنده، فالله تعالى هو الكريم، بل هو الذي لا ينقص ما عنده كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يمين الله ملأى، لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه) ، ويقول في الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) ، والآيات والأحاديث والأدلة على هذا كثيرة.