وتقدم أنهم اختلفوا في تعليم القرآن بأجرة، فإذا استأجر من يعلم ولده فلا مانع من ذلك، وذلك لأن هذا أجرة على التلقين، وأجرة على التعب، فالذي يجلس يعلم الأطفال لا شك أنه يبذل جهداً، ويقطع وقتاً، ثم يتعب نفسه في تلقين هذا الولد هذه الآية، وفي تصويب الخطأ وما أشبه ذلك.
فالتعليم يعتبر عملاً؛ ولهذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم الذين أخذوا الأجرة على الرقية، لما جاءه قوم من الصحابة قرءوا على الملدوغ الذي لدغته عقرب، فسعوا له بكل شيء فلم ينفعه، فرقاه أحد الصحابة، وأخذ جعلاً على ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) ، فأقرهم على ذلك وقال: (اقسموا، واضربوا لي معكم بسهم) تطييباً لنفوسهم.
فيعتبر أخذ الأجرة على تعليم القرآن كسائر أنواع التعليم، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جعل تعليم القرآن قائماً مقام المهر في قوله: (زوجتكها بما معك من القرآن، فعلمها عشرين آية) أو نحو ذلك.
وكذلك يقال في تعليم بقية العلوم: يجوز أخذ الأجرة على التعليم؛ لأنه مقابل التلقين وما أشبه ذلك، بخلاف العمل الذي يعمله لله سبحانه وتعالى، والذي يبتغى به وجه الله، ولأجل ذلك تقدم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن أخذ الأجرة على الأذان، فقال: (واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً) .
ومنعوا أخذ الأجرة على الأعمال التي يختص صاحبها أن يكون من أهل القربة، وإنما رخصوا فيما يبذل من بيت المال مقابل الالتزام بتلك الأعمال: كالتعليم -مثلاً-، وعمل الحسبة، وعمل الإمامة والخطابة والدعوة وما أشبه ذلك، فلا يدخل ما يبذل لهم من بيت المال في أنهم عملوا عملاً صالحاً يبتغى به وجه الله، ولم يعملوه إلا للدنيا.
وبكل حال: فإهداء الأعمال التي يتبرع بها ينتفع بها الموتى إن شاء الله، إذا تبرع بها صاحبها ولم يكن أخذ عليها أجراً.