أما الأعمال البدنية فقد اختلف فيها، وقد تقدم الحديث الذي قال فيه: (لا يصومن أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد) ، ولكن ذلك محمول على الأحياء، فالأحياء القادرون لا يجوز لأحدهم أن ينوب عن أحد، فلا تقل لولدك: صل عني الظهر أو العصر، أو نحو ذلك؛ لأن هذه العبادة تتعلق ببدنك، فلا ينوب فيها عنك أحد، وكذلك لو أحرمت بنفسك فلا تقل لولدك أو لعبدك: طف عني طواف الإفاضة، أو قف عني بعرفة أو نحو ذلك، فإن هذا عمل بدني لا يقوم فيه أحد عن أحد، وكذلك إذا كنت قادراً فلا تقل -مثلاً-: صم عني هذا اليوم من رمضان، أو صم عني هذا الشهر لأنه لا يجوز التوكيل في مثل هذه الأعمال؛ لأنها متعلقة بالبدن؛ ولأن الحكمة فيها أن يخضع ذلك العامل ببدنه، وأن يشعر بذله واستضعافه بين يدي ربه، فإذا كان المتذلل غيره لم يتأثر بذلك.
فإذاً: الحكمة في شرعية الصلاة أن يخضع المصلي ويخشع ويتواضع، ولا يحصل له أجر إذا تواضع غيره، بل ذلك التواضع يحصل للمتواضع، ولا يحصل له.
ولو قال: أهديت صلاتي لك، لم يجز؛ وذلك لأنه لابد أن يكون عمله من نفسه، وكذلك الحكمة من الصيام حصول ألم الجوع والجهد والظمأ، والصبر على ذلك، أما إذا كان يأكل ويشرب ويتمتع، والذي صام غيره، لم تحصل المصلحة التي هي تأثره بهذا الصيام، فيكون أجر الصيام لمن صامه لا له، وإن كان في ذلك استثناء كما سيأتي.