قوله: (إن الله تعالى كلف العباد بما يطيقون، فلا يطيقون إلا ما كلفهم، ولم يكلفهم إلا ما في قدرتهم وفي وسعهم) ، فهو سبحانه أمر العباد ولكن لم يأمرهم بما هو مستحيل، ولم يأمرهم بما يعجزون عن تطبيقه ولا عن فعله، لم يأمرهم إلا بالشيء الذي هو في وسعهم وفي قدرتهم وفي طاقتهم، ولا يخرج عن إرادتهم.
كذلك أيضاً ما كلفهم إلا بما يطيقون، ولا يطيقون إلا ما كلفهم به، فلو كلفهم بما يعجزون عنه لكان لهم حجة أنهم لا يستطيعون ذلك، فعند ذلك يقال: كيف يطيقون الشيء الذي فوق قدرتهم؟! فلذلك قال الله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286] ، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] .
فإذا علم العباد بذلك ونظروا إلى التكاليف التي أمروا بها وجودها سهلة ويسيرة ليس فيها مشقة، ولو استثقلتها بعض النفوس، فإن تلك النفوس التي تستثقلها إنما أتيت من ضعف في النفس، لا أن ذلك لعجز في الفعل كما هو مشاهد؛ فلأجل ذلك نجد أن الاثنين متفاوتان في العبادة، أحدهما يفرح بطول الصلاة ويطمئن بذلك ويعجبه، ولو كان بدنه نحيفاً ضعيفاً، وآخر يستثقل الصلاة ولو كانت خفيفة مع كونه بديناً قوياً، فإذاً هذا التفاوت من ضعف النفوس، لا أنه تكليف بما يعجز البشر، فالله ما كلفهم إلا بما فيه قدرتهم واستطاعتهم.