الإيمان بالقدر من أركان الإيمان، وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: القدر قدرة الله، وهذه كلمة لها أهميتها، بمعنى: أن من آمن بقدرة الله، وأن الله على كل شيء قدير، صدق بالقدر خيره وشره.
ويدخل في القدر تقدير الأشياء قبل وقوعها، ويدخل فيه كتابتها قبل أن تخلق وتوجد، ويدخل فيه إرادة كل ما يحدث ومشيئته العامة، ويدخل فيه خلقها وإيجادها وتكوينها، وأنها لا تكون إلا بإرادة الله وبخلقه وبتقديره وتكوينه، وهذه تسمى مراتب القدر، وهي أربع: الأولى: العلم.
الثانية: الكتابة.
الثالثة: الإرادة.
الرابعة: الخلق.
فيؤمن العباد بهذه المراتب الأربع، ومن كذب بشيء منها نقص إيمانه بالقدر، وقد أنكر العلم الأزلي السابق طوائف من الغلاة، وهم الذين يقول فيهم الإمام الشافعي رحمه الله: ناظروهم بالعلم؛ فإن أقروا به خصموا، وإن جحدوه كفروا.
أي: سلوهم: أتقرون بأن الله تعالى موصوف بالعلم؟ وبأنه بكل شيء علم؟ فإذا اعترفوا بذلك خصموا، ويقال لهم: ما الفرق بين علم الماضي وعلم المستقبل؛ فكله داخل في العلم، وفي أن الله بكل شيء عليم، فإذا علم ما قد مضى فلا يخفى عليه ما هو آتٍ.
وأما الخلق والتكوين فإنه يدخل في الإيمان بقدرة الله، فإذا كنا نؤمن بأن الله على كل شيء قدير، فلابد أن يدخل في هذه القدرة كل ما في الكون، لا يخرج عن قدرة الله شيء من الوجود ومن الحركات التي تكون في هذا الكون، بل كلها كائنة بقدرة الله، وبمشيئته وبخلقه وتكوينه، فلا يكون في الوجود ما لا يريد، ونعتقد أن ربنا سبحانه أعطى الإنسان قدرة على مزاولة أعماله، فللعباد قدرة على أفعالهم، ولهم إرادة، وقدرة الله غالبة على قدرتهم، وإرادته غالبة على إرادتهم، فإذا أراد الله شيئاً فلابد أن يكون، وهذا معنى قول شيخ الإسلام في شعر له: فما شئت كان وإن لم أشأ وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن وهذا أيضاً معنى الحديث الذي فيه: (ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن) .