ذكر الشارح: أن الاستطاعة تنقسم إلى قسمين: استطاعة بمعنى التوفيق، وهذه لا يملكها إلا الله، واستطاعة بمعنى مزاولة الفعل، وهذه يوصف بها العبد.
فأما التوفيق والإلهام والهداية فهي إلى الله لا يستطيعها العباد، بل قد نفاها الله تعالى حتى عن نبيه، فقال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} [الزمر:37] ، {وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد:33] ، وقال: {فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل:37] ، أي: من أضله فلا أحد يقدر على هدايته، فهذه الاستطاعة تستدعي توفيق الله وإلهامه وإفهامه، وتستدعي الإقبال بقلبه وقالبه إلى الأعمال.
ولكن بلا شك أن الإنسان أيضاً: له قدرة على بعض الأسباب، فيجعلها الله سبباً لهداية بعض الناس؛ ولأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي رضي الله عنه: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) ، فجعله سبباً للهداية، والله هو الهادي، بمعنى: أنك أنت بينت لذلك الرجل وحذرته وأنذرته وخوفته، ودعوته إلى ما ينفعه، وبينت له النافع، وبينت له الضار، وبينت له عاقبة هذا وعاقبة هذا، فالله قذف في قلبه المعرفة والقبول، وتقبل ما جئت به، فأصبح بذلك قابلاً؛ فمثل هذا بلا شك أنه سبب في الهداية، فأصلها من الله، وأنت منك الأسباب.
كذلك يقول في حديث آخر (من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه) ، سماه هدى، أي: ضد الضلال، فالداعي -بلا شك- متسبب، والله هو الذي جعل السبب مؤثراً ومفيداً.