ثم تكلم المؤلف رحمه الله على ما يتعلق بآية هود، وهي قول الله تعالى في أهل الجنة: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108] ، أكد البقاء بقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} أي: ما دامت السماوات والأرض باقية، ومعلوم أن السماوات يعيدها الله كما شاء، وأن الأرض يبدلها كما يقول الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إبراهيم:48] ، فتبقى السماوات وتبقى الأرض التي تبدل، وليس لها نهاية لبقائها، فما دامت السماوات والأرض باقية فالجنة والنار باقية.
كذلك قوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108] ، أي: غير مقطوع ولا مصروم ولا نهاية له، بل هو باقٍ مستمر متواصل، ليس له ما يكدره ولا ما يقطعه، فهذا من الآيات المحكمة التي فيها الإقامة والخلود والأبدية والدوام وعدم الانقطاع، ولا شك أن أهل الجنة لو قيل لهم: إن نعيمكم سينقطع ولو بعد مائة ألف سنة، ولو بعد ألف ألف سنة؛ لتكدرت حياتهم، ولقالوا: لا هناء لنا ما دام أنه سينقطع، فإنه سيأتي ذلك اليوم، ولو كان بعيداً، هذا معلوم.
فمما يكدر نعيم الدنيا على أهلها معرفتهم بأن نعيمها يزول، وأنه يتبدل، فأما نعيم الجنة فإنه لا يزول؛ فلذلك بشرهم ربهم بأنهم باقون فيها وأنهم لا يحولون ولا يزولون.
وأما الاستثناء في آية هود في قوله: {إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:107] فقد سمعنا أن العلماء قالوا: هذا الاستثناء من المتشابه، ومنهم من حمله على ما قبل دخولها، يعني: أنه يمر عليهم قبل دخولها زمان وهو وقت حساب، أو وقت الوقوف ليوم القيامة قبل نزول الله لفصل القضاء فيقولون: هذا هو زمان الاستثناء.
وقيل: إنه استثناء، ولكن لا يدل على أنه يقطع عليهم نعيمهم، ومثله الشارح كما إذا قلت: سوف أكرمك إلا أن أشاء، وأنت عازم على إكرامه، وقد ورد ذلك أيضاً في القرآن في قول الله تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] ، ونحو ذلك.
وعلى كل حال فهو من المتشابه، والآيات الدالة على بقاء النعيم واستمراره محكمة ليس فيها خفاء، فيؤمن أهل العقيدة السلفية بما تتضمنه تلك الآيات، ويستعدون للقاء، ويطلبون هذا الثواب الذي لا يحول ولا يزول.