الإيمان باليوم الآخر والبعث: هو ركن أساسي من أركان الإيمان، وقد يكون هو الركن المؤكد عليه دائماً؛ ولأجل هذا كثيراً ما يقتصر عليه مع الإيمان بالله في كثير من الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره) ، (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث) .
لم يذكر مع الإيمان بالله إلا الإيمان باليوم الآخر؛ وذلك لأن اليوم الآخر وقع فيه الخلاف بين الرسل وأممهم، وأنكره المشركون وبالغوا في إنكاره، واعتقدوا أن الأجساد بعد موتها تضمحل ولا تعود، وأنه ليس هناك حياة، وأن هذه الدنيا باقية وليس لها فناء؛ ولهذا حكى الله عنهم أنهم يقولون: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} [الجاثية:24] أي: الزمان، ومعنى قولهم: نموت ونحيا أي: يموت قوم ويحيا آخرون، وهو معنى قولهم: أرحام تدفع، وأرض تبلع، هذه عقيدة أولئك المشركين، وهي أيضاً عقيدة الدهريين.
فالإيمان بالله واليوم الآخر آكد أركان الإيمان، فهو آكد من الإيمان بالكتب، ومن الإيمان بالرسل، ومن الإيمان بالملائكة ونحو ذلك؛ لأن الخلاف في الإيمان بها قليل بخلاف الإيمان باليوم الآخر فإن المنكرين له كثير، ولما كان الأمر كذلك، جاءت الأدلة الكثيرة عليه، فلا تحصى الآيات التي تؤكد البعث بعد الموت، وستأتينا آيات مشروحة موضحة لما حكى الله، ولما رد الله به على المشركين الذين أنكروا البعث بعد الموت، وكيف أنه احتج عليهم بحجج عظيمة، فإذا آمن العباد باليوم الآخر وبما بعده فإنهم يستعدون لذلك اليوم بالأعمال الصالحة التي يكونون بها سعداء، وإذا لم يؤمنوا به فإنهم لا يهتمون إلا بهذه الحياة، حيث إنهم ليس في نظرهم حياة أخرى بعد هذه الحياة.
فعرفنا بذلك أن الإيمان باليوم الآخر من آكد أركان الإيمان، وهو يعم -كما تقدم- البرزخ والحشر، ولكن أكثر ما يركز على الحشر الذي هو حياة الأجساد وحشرها وحسابها وجمع الناس في الدار الآخرة وما أشبه ذلك وما بعده، وهكذا إلى أن يحصل الجزاء على الأعمال، وإدخال أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
هذا هو الذي اتفقت عليه دعوة الرسل، وهذه الآيات التي سمعنا لا شك أنها تدل على أن الرسل مجمعون على أن اليوم الآخر لابد منه وأنه سيأتي، كما في قول نوح عليه السلام: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً} [نوح:17-18] ، ينبههم على أنهم سيخرجون منها، مثل قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] .
وكذلك بقية الرسل ذكروا البعث لأتباعهم، وكانوا يحثونهم على الإيمان بالله وعلى الإيمان بالبعث بعد الموت وعلى الاستعداد له، وكذلك غير الأنبياء كما سمعنا من مؤمن آل فرعون الذي قال: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:32] ، وهو يوم القيامة، وقوله: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:40] ، فكل ذلك دليلٌ على أن أتباع الأنبياء أيضاً صرحوا بأنهم يؤمنون باليوم الآخر.
من الإيمان بالله الإيمان باليوم الآخر؛ لأنه خبر الله، فالله هو الذي أخبر باليوم الآخر، وبما يكون في اليوم الآخر، فمن آمن بالله آمن بأخبار الله.
واليوم الآخر يشمل البعث وما بعده، بل يشمل الموت وما بعده، ولكن أكثر ما يذكرون البعث بعد الموت، وما بعده من الجزاء والحساب والثواب والحوض والميزان وجزاء الأعمال ومحاسبة الله تعالى للعباد، وما يكون في عرصات القيامة من طول الوقوف ومن طلب الشفاعة، ومن الأهوال وطول ذلك اليوم الذي يجعل الولدان شيباً، فيؤمن أهل السنة بذلك على التفصيل الذي ذكره الله تعالى، ومن آثار إيمانهم الاستعداد ليوم المعاد، فإن الذي يؤمن بالشيء ويصدق به تظهر عليه آثاره، فيستعد له، ويتهيأ لذلك اليوم، ويعرف أنه لا نجاة له إلا بالأعمال الصالحة التي كلف بها.