أطلع الله نبيه على ما لم يطلع عليه غيره، ففي بعض الأحاديث أنه كان صلى الله عليه وسلم راكباً على حمار فأقبل على خمسة قبور، فحادت الأتان التي كان راكبها، فنزل وسأل: (لمن هذه القبور؟) فأخبر بأنهم من المشركين، فأخبر بأن الأتان -التي هي أنثى الحمر- لما سمعت عذابهم أو أحست بما هم فيه من العذاب حادت، فأطلعه الله على ذلك، ولم يطلع عليه غيره، ولا يلزم أن يكون ذلك مطرداً، يعني: ليس كل من ركب حمار ومر على قبر أن ينتبه له ذلك الحمار أو نحوه، والدواب قد يكون لها سماع وانتباه لشيء لا نسمع به، ولكن قد لا يظهر عليها أثر ذلك السماع، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الدواب في صباح كل يوم جمعة تصيخ قرب الصباح إلى طلوع الشمس تخشى أن يكون ذلك هو يوم القيامة، يقول في الحديث في فضل يوم الجمعة: (وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة حتى تطلع الشمس مخافة أن تقوم الساعة) ، ونحن لا نشعر بهذه الإصاخة التي فيها، ولا هذا الوجل، ولا هذا الخوف، وكذلك أيضاً لا نشعر بما يحصل لها من الخوف أو من السماع المفزع أو نحو ذلك، وأما الرسل فالله تعالى يطلعهم على بعض الأمور الغيبية، ومن ذلك أن الله أطلع نبيه على هذين القبرين اللذين يعذبان، وما يعذبان في كبير، وقد مر الحديث، وفيه: (أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، فدعا بجريدة فشقها نصفين، وغرز في كل قبر واحدة وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) ، وهذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، فالله تعالى هو الذي يطلعه على ما يشاء، ولا يجوز لغيره أن يغرز جريدة أو عصاً رطبة على أي قبر، ولا يمكن أن يقاس على الجريدة التي غرسها النبي صلى الله عليه وسلم غيرها.
وقد ذكر عن بعض العلماء أنهم استحبوا أن يغرس على كل قبر جريدة، وكلما يبست نزعوها وغرسوا أخرى، وهذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع كل أحد، ولم يفعله الصحابة، ولا نقل عن الأئمة، فلا يجوز، ولا يكون له وجه من الدلالة، ولكن علينا أن نعمل الأعمال الصالحة التي تنجي من عذاب القبر، وعلينا أن ننصح المسلمين ألا يعملوا عملاً يدخلهم في العذاب، أو يؤهلهم إلى العذاب، ونحثهم على الأعمال الصالحة التي يستحقون بها نعيم البرزخ، وينجيهم الله بها من عذاب النار، وعذاب القبر.