وكذلك لا يجوز أيضاً التشبيه بالصفات الذاتية التي أثبتها الله لنفسه، فإذا أثبت الله لنفسه اليدين في قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] ، نقول: لا كيدي المخلوقين، وإذا أثبت لنفسه الوجه في قوله: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:52] ، وفي قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص:88] ، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) وأشباه ذلك، فنقول: ليس كمثله شيء في ذلك، فأهل السنة يقولون: إنه وصف حقيقي، ولكن ليس مثل صفات المخلوقين وخصائصهم.
هذا هو معنى التشبيه، ولكن سمعنا أن هناك من استعمل التشبيه وأراد به نفي الصفات، وهذه الطريقة سلكتها المعتزلة أتباع جهم بن صفوان ونحوه، وجعلوا النفي مطلقاً، ونفوا عن الله كل صفة وجدت في المخلوق، وزعموا أن إثباتها تشبيه، فصاروا يتعلقون بهذه الآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ولا يتمونها، أو لا يعملون بآخرها، فإن في آخرها رداً عليهم في نفيهم للصفات، وقد روي أن كبيراً من كبرائهم يقال له: ابن أبي دؤاد قال لأحد الخلفاء: أريد أن تكتب على الكعبة قوله: (ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم) هرباً من إثبات السمع والبصر! فلا شك أن هؤلاء غلواً في النفي، ولازم قولهم أن كل صفة موجودة في أي مخلوق لا يجوز إثباتها للخالق، يعني نقول: يلزمكم أن تنفوا صفة الحياة، وأن تنفوا صفة الوجود، وصفة الذات، وما أشبه ذلك، وإذا قلتم: إن لله ذاتاً، قلنا: شبهتم، فالمخلوق له ذات، فإذا قالوا: لا تشبه ذواتنا، قلنا: لماذا لا تقولون: وسمعه لا يشبه سمع المخلوقين، وبصره لا يشبه بصر المخلوقين؟ وعلى كل حال فالآية دليل لأهل السنة، ولكن اتخذها المعتزلة دليلاً لهم ولم يعملوا بآخرها؛ لأن في آخرها رداً عليهم، يقول العلماء: قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] رد على المشبهة، {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] رد على المعطلة، فهذا بعض آية فيه رد على طائفتين: طائفة غلت في النفي، وطائفة غلت في الإثبات.
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] رد على الغلاة في الإثبات {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] رد على الغلاة في النفي.