اختلاف العلماء في تعريف الروح

سمعنا في كلام شارح الطحاوية أن العلماء تكلموا في الروح، وأطالوا القول فيها، وعرفوها بتعريفات مضطربة مختلفة، وكان من جملة من عرفها تعريفاً مناسباً ابن القيم رحمه الله في كتابه الذي سماه: كتاب الروح، وهو كتاب مطبوع مشهور تكلم فيه على الأرواح، وعذاب القبر ونعيمه، وتكلم فيه على حقيقة الروح، وما ورد من صفاتها، وبين الرد على الذين أنكروها ووصفوها بصفات غريبة، وعرفها بأنها جسم خفيف شفاف علوي نوراني حي متحرك، يسري في جسد الإنسان كما يسري الدهن في الورد، وكما تسري النار في الفحم، فما دام هذا الجسد قابلاً لتلك الإفاضات منه فإنه يبقى فيها، وإذا تغيرت ماهية هذا الجسم وبقي لا يصلح لفيضاناتها عليه؛ أذن الله بفراق الروح لهذا الجسم، فبقي جسم الإنسان جماداً لا حركة فيه، وذلك هو الموت، فإذا خرجت الروح بقي الجسد جثة هامدة.

ولا حاجة إلى كثرة الخوض وإطالة الكلام فيها، مع أن الله تعالى قد حجب أنظار العباد عنها، وفوض أمرها إلى الله.

كتاب الجلالين مؤلفه رجلان أحدهما جلال الدين المحلي، وهو الذي ألف آخره، من سورة الكهف إلى آخره، وجلال الدين السيوطي وهو الذي ألف أوله، من البقرة إلى سورة الإسراء، فـ المحلي لما أتى على قوله تعالى في سورة ص: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:72] عرف الروح بأنها جسم حي متحرك، وبأن لها حياة وتقلباً، ولكن السيوطي لما أتى على قوله في سورة الحجر: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:28-29] لم يذكر هذه الجملة التي هي تفسير الروح؛ لأنه أتى على هذه الآية وهي قوله تعالى: {قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] فتوقف عن تفسيرها.

فالأولى التوقف، والذين خاضوا فيها من العلماء وأطالوا القول فيها عذرهم أنهم يريدون بذلك إقناع أولئك الكافرين أو الكاذبين الذين صاروا يعرفونها بتعريفات بعيدة عن الواقع، فما حمل ابن القيم رحمه الله على الإطالة في تعريفاتها وفي صفاتها إلا أنه يناقش أقواماً ينكرون وجودها، أو ينكرون انفصالها، أو ينكرون تميزها، لهم أقوال عجيبة كما حكاها عنهم في ذلك الكتاب كالفلاسفة ونحوهم الذين يسمونها مثلاً: النفس الناطقة مثلاً، أو يزعمون أنها هذا الكون كله، أو هذا الهواء، أو النَفَس، أو ما أشبه ذلك مما لا أصل له، والأولى أننا نكل علمها وعلم الغيب كله إلى الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015