نؤمن بالكرام الكاتبين وبالملائكة الحافظين كما أخبرنا الله، وإن كنا لا نراهم، فالإيمان بهم من أمر الغيب؛ وذلك لأن الله تعالى أخبر عن أشياء غيبية فنحن نصدق بها ونقبلها، ويكون لتصديقنا آثار.
فالملائكة مخلوقون كما أخبرنا الله، وإن كنا لا نراهم، يجلس أحدهم أو يقوم أحدهم أمامنا أو خلفنا أو عن جانبينا فلا نراه، كما أخبرنا أيضاً بأن الشياطين يكونون معنا ولا نراهم، بل أخبر بأن الشيطان يلابس الإنسان، ويجري منه مجرى الدم، ويوسوس في صدور الناس.
فالإيمان بالملائكة من الإيمان بالغيب الذي مدح الله أهله بقوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:2-3] ، وذلك لأنه إيمان بشيء خفي، ولكن العمدة فيه خبر الله تعالى، وخبر الله صدق وحق، وكذلك خبر الرسل فنؤمن بما أخبروا به ونتقبله، وإن كان ذلك خلاف ما نألفه ونعرفه، وإن أنكر ذلك من أنكره، فلا نلتفت إلى إنكار من أنكر.
فالذين أنكروا وجود الشياطين أو أنكروا وجود الملائكة، أو أنكروا الأرواح، أو أنكروا وجود الجن، أو نحو ذلك؛ هؤلاء بلا شك لم يتسع فهمهم للأمور الغيبية، ولا للأخبار السماوية، ولا للقدرة الإلهية، فلأجل ذلك لم يتجاوزوا ما يدركونه بالحس، فلا يؤمنون إلا بما أدركوه بالإحساس، فهؤلاء إيمانهم ناقص.