بعض الأشخاص تترك الصلاة عليهم لبعض الأسباب، فمثلاً: من قتل نفسه لا يصلي عليه الإمام الكبير أو العالم الكبير زجراً عن هذا الفعل، ولا يمنع ذلك أن يصلي عليه عامة الناس.
وكذلك تترك الصلاة على الشهداء؛ وذلك لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فلم يصل النبي صلى الله عليه وسلم على شهداء المعركة، إما لعدم حاجتهم إلى ذلك، وإما لأنهم والحال هذه يعتبرون من الأتقياء، ويعتبرون من أهل الخير، وإما تخفيفاً لكثرتهم؛ لأنهم قد يكونون عدداً كبيراً.
وبكل حال فالأصل أننا نصلي على أهل لا إله إلا الله، وأن الصلاة عليهم تنفعهم؛ وذلك لأن الميت قد انقطع عمله، فهو في حاجة إلى أن يدعو له إخوته المسلمون؛ ولهذا يدعون له بالمغفرة وبالرحمة ونحو ذلك.
في حديث عمرو بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، يقول عوف: فحفظت من دعائه قوله: (اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله من الذنوب بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيرا ًمن داره، وأهلاً خيراً من أهله) ، يقول عوف: حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت لمكان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له.
ولعل هذا الدعاء لأجل أن يتم لأمته هذه الأدعية ويعلمهم، ولم يخصص للصحابة دعاء، بل أمرهم بأن يدعو بما تيسر؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) أي: ادعوا له بما تحفظون وبما تيسر من هذا ومن غيره، ادعوا له بخير الدنيا وخير الآخرة، وأقصد بخير الدنيا: نعيم البرزخ ونعيم القبر، وخير الآخرة، يعني: ما بعد الموت، من الجنة وما قبلها، ادعوا له بذلك، وادعوا له بالمغفرة.
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار للمؤمنين في قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19] ، وحكى الله تعالى عن بعض أنبيائه هذا الاستغفار، فحكى عن إبراهيم أنه قال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:40-41] فلم يقتصر على والديه وعلى ذريته، بل دعا للمؤمنين يوم يقوم الحساب، وحكى عن نوح عليه السلام أنه قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:28] فدعا للمؤمنين والمؤمنات عموماً فيدخل في ذلك الأولون والآخرون.
إذاً: نحن مأمورون بأن ندعو للمؤمنين، والصلاة عليهم تنفعهم، والصلاة عليهم بعد موتهم فيها دعاء لهم، واستغفار لهم، وزيادة في أعمالهم، فيحرص المسلم على أن يصلى على الميت، وينبغي الحرص على كثرة عدد المصلين؛ لأنه ربما يكون فيهم مجاب الدعوة، وربما يكون في الكثير من هو أتقى وأنقى، وأفضل معتقداً، فيجيب الله تعالى دعوته، ومع كثرتهم أيضاً يقبل الله دعوتهم، فقد ورد في الحديث: (ما من مسلم يقوم عليه مائة رجل، لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعوا فيه) ، أو كما قال في الحديث، فهذا حث على أن يصلى على المسلم، حتى ولو لم يصدر منه شيء من الذنوب، ويستغفر له، ويطلب له من الله المغفرة والزلفى.