مآل أهل التوحيد إلى الجنة لا يعني الأمن وعدم الخوف

من عقيدة أهل السنة أن كل من كان من أهل التوحيد ومن أهل الإيمان فإن مآله إلى دخول الجنة ولو عذب في النار ما عذب، ولكن نخاف عليه ونحوفه، فقد وردت الأدلة الكثيرة في نجاة أهل التوحيد، فآمن أهل السنة بذلك، وصدقوا بأحاديث الشفاعة، والتي منها قوله صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي لأمتي شفاعة يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من لا يشرك بالله شيئاً) ، وقال في حديث عتبان: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) ، وأشباه ذلك من الأحاديث، وكذلك أحاديث الإخراج من النار، وفيها أن الله يقول للشافعين وللملائكة: (أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه أدنى أدنى حبة خردل من إيمان، ثم يقول الله تعالى: لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله) .

فيخرج من النار أهل لا إله إلا الله؛ وذلك لأنهم كانوا موحدين لم يشركوا بالله لا في الاعتقاد ولا في الأعمال، وكانوا ممن قال: لا إله إلا الله مخلصين من قلوبهم، وكانوا على إيمان راسخ في قلوبهم، ولكن لضعف ذلك الدافع نزعتهم النفس إلى فعل شيء من الذنوب، فأصروا ولم يستغفروا حتى أتتهم آجالهم، وهم مؤمنون مصدقون، ولكن قد يدخلون النار بسبب ما اقترفوه من الذنوب، ثم بعد ذلك يخرجهم الله إذا شاء بفضله ورحمته.

إذاً: نحن نخاف على العصاة، ولا نأمن عليهم، نقول للعاصي: إنك على خطر، إذا رأيت العاصي المصر على المعصية المتمادي في معصيته فعليك أن تحذره، وتقول: إنك على خطرين: خطر عقوبة في الدنيا بأن يعاجلك الله وينتقم منك، وخطر عقوبة في الآخرة بأن يدخلك في النار وهي دار عذابه، ولو كان مآلك ونهايتك بتوحيدك واعتقادك أن تخرج منها، ولكن لا تأمن العذاب، ولا تستطيع أن تصبر عليه، فالنار التي توعد الله بها شديدة الوقود والالتهاب، وحرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم، وشراب أهلها المهل والصديد، ولباسهم القطران والحديد، وعذابهم أبداً في مزيد، فكيف تصبر عليها؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله! إن كانت لكافية، فقال: فضلت عليها نار جهنم بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها) ، إذا كانت النار تضاعف سبعين ضعفاً فمن يطيق الصبر عليها؟! الله تعالى قد ذكر أنواع العذاب فيها حتى ذكر الحميم، وذكر الزقوم، وذكر المهل والصديد الذي هو شرابهم، وقال: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء:97] ، وقال: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} [النساء:56] ، وقال في شرابهم: {يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29] ، وقال أيضاً: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] ، فهذا يحصل لكل من دخل النار، ولا شك أنه يخيف المؤمن، فالمؤمن المصدق يخاف أن يدخل في هذا العذاب ولو وقتاً يسيراً.

إذاً: نحن نخاف على العصاة، ولا نأمن عليهم عقاب الله، ونقول لهم: لا تأمنوا مكر الله {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99] ، ولو تعلقتم وتشبثتم بالأدلة التي فيها الوعد، والتي فيها إخراج العصاة من النار، والتي فيها تحريم أهل التوحيد على النار، لكن لا تأمنوا من النار ولو وقتاً يسيراً، فتوبوا إلى ربكم وأصلحوا أعمالكم، فهذا هو الجمع بين هذه الأحاديث.

أهل السنة تمسكوا بأحاديث الشفاعة التي فيها إخراج أهل التوحيد من النار، وقالوا: ربما يمكثون فيها عشرات السنين أو مئاتها أو ألوفها، وأهل الوعيد تمسكوا بالأدلة التي فيها دخول النار والوعيد بالنار على بعض المعاصي، والجمع بينهما أنه لا مانع من أن يدخلوا النار، ثم بعد ذلك يخرجون منها برحمة أرحم الراحمين، وبشفاعة الشافعين، ولا مانع أن يطلق الخلود على الدوام الطويل، أو على المكث الطويل، ولا مانع أن يطلق حرمان الجنة، أو حرمان دخولها على حرمان الدخول لأول مرة أو نحو ذلك، والله هو الحكيم في أمره، وكلام الله وكلام رسوله لا يمكن أن ينقض بعضه بعضاً، بل كله حق، فمتى أمكن الجمع قلنا به واعتقدنا صحته، وإذا لم يمكن وكلنا أمره إلى الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015