المصائب والحسنات والسيئات كلها مقدرة من الله، فالله تعالى يقول: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء:78] الحسنة والسيئة كلها مكتوبة ومقدرة من الله، لو شاء الله ما حصلت هذه العقوبات ونحوها، ولا حصلت هذه الآفات وما أشبهها، فهي من الله خلقاً وتكويناً وقضاءً وقدراً.
الحسنة هنا تدخل فيها الأعمال الصالحة، فما عملت من أعمال صالحة فالله هو الذي أقدرك عليها، وتدخل فيها الخيرات الحسية، فما أصابك من نعمة، وما أصابك من صحة ومن ثروة ومن خصب ومن أمن ورخاء، وما أصابك من نعمة مال أو ولد أو فرح أو بشر وسرور، ما أصابك من هذا كله فهو من الله، وقد جعل الله تعالى ذلك ثواباً على الأعمال والحسنات التي يعملها العبد، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [النحل:41] أي: لنعطينهم في الدنيا حسنة؛ وذلك لأنهم أتوا بالأسباب التي هي الإيمان والأعمال الصالحة، إما الحسنة التي هي خيرات أخروية أو خيرات دنيوية فهي من الله، وهي أيضاً جزاء له على عمله، فأنت أيها المؤمن التقي والعبد الصالح إذا أصلحت عملك جازاك الله تعالى بحسنات في الدنيا، وبحسنة في الآخرة، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) ، فالحسنة في الدنيا: الصحة والنعمة والرفاهية والنصر والتمكين والخيرات المحبوبة في النفوس، والحسنة في الآخرة هي الجنة.
فما أصابك من حسنة فمن الله، هو الذي أنعم بها عليك، وهو الذي تفضل بها عليك، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، ما أصابك من هم أو من غم، ما أصابك من جوع أو من عري، ما أصابك من مرض أو من حزن، ما أصابك من خوف أو قلق واضطراب وفقر وفاقة، أو من مرض وموت وفراق حبيب وما أشبه ذلك، فاعلم أنه عقوبة على سيئة اقترفتها، أو أنه محنة لك واختبار، فإذا كان عندك شيء من النقص أو من الضعف في إيمانك فسبب هذه السيئة التي أصبت بها صادر عن نفسك، ولهذا قال الله تعالى للصحابة في غزوة أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] من عند أنفسكم أي: بسبب فعلكم سلط عليكم هذا العدو، فهو من عند أنفسكم، أي: عملتم عملاً حصل به هذا التسليط.