ثمرة الإيمان بالله سبحانه وتعالى: أن يعبده المؤمن، وأن يخافه ويرجوه، وأن يعتمد عليه، ويقبل إليه بقلبه وقالبه ويتوب إليه، وأن يصدق بخبره، وأن يستعد للقائه.
ولا شك أن الأدلة التي قامت على الإيمان بالله تعالى سمعية وعقلية، ولا شك أيضاً أن من حقق الإيمان بالله تعالى، وصدق بأنه هو الإله الحق، وهو الرب، فإنه يصدق بوجوب عبادته، ويصدق بالإيمان بما أخبر به، ويصدق بالبعث بعد الموت، وبالجزاء في الآخرة، ويصدق بالرسل الذين بلغوا رسالات ربهم، ويصدق بالكتب التي أنزلها وضمَّنها شرائعه، ويصدق بالقضاء والقدر، وأنه من تمام قدرة الله على العباد وعلى كل شيء، ويصدق بالأمور الغيبية التي أخبر الله تعالى بها، ولو لم يرها؛ لأنه أخبر بها الصادق المصدوق، أخبر بها الله أو أخبرت بها رسله، فيصدق بذلك، ولا شك أن من صدق تصديقاً جازماً فإنه ولا بد سيعمل وسيظهر أثر هذا التصديق على جوارحه، وعلى لسانه، وعلى سمعه، وعلى بصره، وعلى يديه، وعلى رجليه، وعلى حاله وماله، وعلى مآله وعلى بدنه، يظهر أثر ذلك جلياً لا خفاء فيه.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث جبريل بالأعمال الباطنة، والإسلام بالأعمال الظاهرة، وقد تقدم الكلام على الإسلام والإيمان والإحسان، وتبين لنا أنها مراتب، وأن أعلاها مرتبة الإحسان، ثم بعدها مرتبة الإيمان، وأوسعها مرتبة الإسلام، وتقدم أمثلة لذلك.
وكل من دخل في الإسلام وعمل بالأعمال الظاهرة، عومل بمعاملة المسلمين، ولكن قد يكون إيمانه ضعيفاً لا يرتقي به إلى المرتبة الثانية، وكل من وصل إلى الإيمان وآمن بالأمور الغيبية وعمل بموجبها، فقد يكون تصديقه متوسطاً لا يصل به إلى المرتبة الثالثة التي هي الإحسان.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام بالأعمال الظاهرة في حديث جبريل، وجعل الأعمال الظاهرة أيضاً هي الإيمان في حديث وفد عبد القيس فقال لهم: (أتدرون ما الإيمان بالله؟! شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) فجعل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والشهادتين من الإيمان، وكذلك أداء الخُمُس ألحقه بالزكاة، فجعل ذلك من الإيمان.
وبوَّب البخاري رحمه الله على هذه الخَمْس بأنها من الإيمان، حيث يقول: أداء الزكاة من الإيمان، بابٌ: أداء الخمس من الإيمان، يعني: من الأعمال التي فعلها يكون متمماً للإيمان.
وقد ذكر الشارح فيما سبق حديث شعب الإيمان، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة، أعلاها: قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق) فجعل هذه البضع والستين كلها من خصال الإيمان، أي: من أجزائه، أو من ثمراته، ولا شك أن المؤمنين يتفاوتون، وفي بعض الأحاديث: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) فجعل حسن الخلق -مع أنه جبلة وطبيعة؛ ولكن يثاب العبد عليه- سبباً لكمال الإيمان، وقوته، وتمكُّنه.
وبكل حال فما على المسلم إلا أن يحرص على تحقيق الإسلام والإيمان والعمل به، ثم بعد ذلك يتفقد أعماله هل عمل بالأعمال التي يتصف بها المسلمون المؤمنون؟ فإذا وجد في نفسه نقصاً، حرص على تكميل ذلك النقص؛ ليحوز الرتبة العالية.