قال رحمه الله: [فالقرآن العظيم قد اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره، فإنه الدليل والمدلول عليه، والشاهد والمشهود له، قال تعالى لمن طلب آية تدل على صدق رسوله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:51] الآيات.
وإذا عرف أن توحيد الإلهية هو التوحيد الذي أرسلت به الرسل وأنزلت به الكتب، كما تقدمت إليه الإشارة، فلا يلتفت إلى قول من قسم التوحيد إلى ثلاثة أنواع: وجعل هذا النوع: توحيد العامة.
والنوع الثاني: توحيد الخاصة، وهو الذي يثبت بالحقائق.
والنوع الثالث: توحيد قائم بالقدم، وهو توحيد خاصة الخاصة] .
يقول: إن القرآن الذي أنزله الله على قلب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيه الكفاية لمن اعتبر، فإن المشركين لما طلبوا آيات {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} [العنكبوت:50] قال الله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [العنكبوت:51] أي: هذا الكتاب كاف عن جميع الآيات، لما فيه من الأخبار عن المتقدمين وعن المتأخرين، فمن نظر فيه واعتبر اكتفى بذلك.
والقرآن قد بين حقيقة التوحيد الذي أرسلت به الرسل غاية البيان، وهو توحيد العبادة.
والذين حكى عنهم المؤلف أنهم جعلوا هذا النوع توحيد العامة! هؤلاء هم غلاة الصوفية، أو أهل الوحدة، وجعلوا وراءه توحيدين: توحيد الخاصة، وتوحيد خاصة الخاصة.
وكل ذلك لا دليل عليه، وإنما الأصل أن التوحيد الذي هو حق الله على عباده هو التوحيد الأصلي الذي أمر الناس بأن يدينوا به ويتعلموه ويعبدوا الله تعالى بموجبه، وسيأتي بيان الأدلة على أنواع التوحيد، وعلى بقية أنواع العقيدة إن شاء الله تعالى.