أكمل الشارح الكلام على أسماء الإيمان والدين، وابتدأ المتن في إجمال قول أهل السنة في الأدلة، معلوم أن الأدلة عقلية ونقلية، الأدلة العقلية: هي ما دلت عليه الفطرة، وما تشهد بسلامته وملاءمته العقول المستقيمة والفطر السليمة، ولا شك أن الإسلام هو دين الفطرة، يقول الله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] ، ولا شك أن دين الإسلام موافق لما دلت عليه العقول السليمة، وغير مخالف لها.
أما النوع الثاني: فهو الأدلة السمعية النقلية، ويراد بها: الكتاب والسنة، فإنهما نقول منقولة نقلها كابر عن كابر، وهي أدلة سمعية، سمعها هذا عن شيخه، والشيخ عن شيخه إلى أن اتصلت بالرسول صلى الله عليه وسلم، وتناقلوها، فأنت -مثلاً- علمك أستاذك القرآن والسنة، وشيخك علمه شيخه، وهكذا شيخ شيخك تعلم من شيخه، إلى أن اتصلت السلسلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء إليه الوحي من الله تعالى، ولا شك أن وحي الله إلى أنبيائه لا يتطرق إليه شك، ولا يكون فيه توقف في صحته؛ فإذاً: هي أدلة سمعية يقينية متلقاة عن الشرع الشريف.
فماذا يجب علينا نحوها؟ يجب علينا أن نؤمن بها، وأن نعمل بها، وأن نتقبلها، ولا نتوقف في قبول شيء منها، فنعمل بها في العقائد كما نعمل بها في الأحكام، ونعتبر بها، ونمتثل ما فيها، وإذا سمعنا آيات الوعيد خفنا، وإذا سمعنا آيات الوعد رجونا، وإذا سمعنا القصص تفكرنا، وإذا رأينا الأمثال اعتبرنا، وإذا جاءتنا الأحكام عملنا، وإذا جاءتنا الأخبار صدقنا، هذه وظيفة المسلم، وهذا عمله، عمل المؤمن أنه يتقبلها؛ لماذا؟ لأنه جاءك الوحي من الله بواسطة الرسول، وعقولنا قاصرة لا تصل إلى معرفة ما يحبه الله وما يكرهه، ولا تحيط بما في الملأ الأعلى، ولا بما في الدار الآخرة، وكل ذلك يتوقف على النقل، ويتوقف على السمع الذي طريقه الاتباع.
فنقول: إن من واجب المسلمين أن يقدموا قول الله وقول رسوله على قول كل أحد، وأن يعملوا بهذه الأدلة وبهذه النصوص، ويقدموها على العقول، وعلى أقوال المشايخ، وعلى أقوال فلان وفلان؛ حتى يكونوا بذلك متبعين حق الاتباع.
قد أمر الله تعالى المؤمنين بالاتباع في قوله: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158] ، وفي قوله: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] ، متى يكون الإنسان متبعاً للرسول عليه الصلاة والسلام؟ إذا عمل بما جاء به، وهل العمل بما جاء به يختص بالأفعال أو يعم العقائد؟ لا شك أنه يعم العقائد، فيجب على المسلم أن يتلقى العقيدة من كتاب الله، فترسخ في قلبه، وإذا رسخت وتمكنت في قلبه كان من آثارها أن تنبعث جوارحه لتعمل، وإلا فليس بمصدق، وليس بمتبع، وليس بمؤمن حقاً.