يقول العلماء: إذا جمع بين الإسلام والإيمان، فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بأعمال القلب، ولا شك أنهما متلازمان، وكل من اتصف بواحد منهما دون الآخر لم يكفِ، فالذي يقول: أنا مؤمن إيماناً خفياً لا يكفيه، إلا أن يأتي بالأعمال الظاهرة التي هي أركان الإسلام، والذي يأتي بالأركان الظاهرة علانية، ولكن قلبه فاسد، لا تنفعه هذه الأركان ولو صلى ولو صام وحج وزكى؛ ما دام أنه من غير عقيدة، ولأجل ذلك كثيراً ما يجمع الله بينهما، مما يدل على أن الوصف لابد أن يأتي عليهما، قال الله تعالى في سورة الذاريات: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35-36] ، فوصفهم بأنهم من المؤمنين، ثم وصفهم بأنهم من المسلمين، فدل على أنهم جمعوا بين الأمرين: بين الإسلام والإيمان، ولكن لا يكفي الإيمان عن الإسلام، ولا يكفي الإسلام عن الإيمان، وإن كان أحدهما إذا أفرد دخل فيه الآخر.
وقد كذب الله الأعراب الذين قالوا: آمنا، وهم ليسوا بمؤمنين حقيقة في قوله تعالى في سورة الحجرات: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] ، فأخبر بأنهم قالوا: آمنا، وهم ليسوا بمؤمنين حقيقة، حيث إن قلوبهم لا يزال فيها ريب وشك، ولا يزال عندهم توقف وتردد في صحة ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي تصديقه بالأمور الغيبية؛ فلأجل ذلك قال: ((وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)) أي: لم يصل إلى قلوبكم، فأنتم أسلمتم ظاهراً، والإيمان الذي منبعه القلب لم يصل إلى قلوبكم حقيقة.
وثبت في الصحيح (أن سعد بن أبي وقاص كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقسم قسماً وترك واحداً من أهل المجلس، فقال: ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمناً؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلماً) يعني: الأولى أن تقول: مسلم، ولا تحكم له بالإيمان، فإن الإيمان يجمع بين الباطن والظاهر، وأنت لا تعرف منه إلا الظاهر.
هكذا يفسر الإسلام والإيمان إذا اجتمعا، فيفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، ويفسر الإيمان بأعمال القلب.
وضرب له الشارح أمثلة فقال: الإسلام والإيمان متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، مثل الشهادتين، فالشهادتان متلازمتان من شهد بإحداهما لزمته الأخرى، بل هي مكملة لها؛ لأنا نقول: من أين عرفت أنه لا إله إلا الله، وعرفت بأن الله هو الإله الحق، وأنه لا تصلح الألوهية إلا له؟! أليس ذلك بواسطة الرسالة؟! إذاً: فيلزمك تصديق الرسول، والشهادة له بأنه مرسل من ربه.
وإذا صدقت الرسول عليه السلام في أنه رسول، وأنه مبعوث من ربه، فما هي الرسالة التي بلغها؟ أليس أول شيء بدأ به هو التوحيد بأن يقال: لا إله إلا الله؟ فالرسول عليه الصلاة والسلام بدأ يدعو الناس إلى عبادة الله وترك عبادة ما سواه، وهذا هو أعظم الرسالة التي بلغها، فالشهادتان متلازمتان، فمن شهد أن لا إله إلا الله ألزم بأن يأتي بالشهادة الثانية وهي الشهادة بالرسالة، ومن شهد أن محمداً رسول الله لزمه قبول رسالته التي أهمها قول لا إله إلا الله، فعرفنا بذلك أنهما متلازمتان.
فكذلك الإسلام والإيمان متلازمان، فمن أسلم في الظاهر قلنا له: لابد أن يكون إسلامك نابعاً عن قلب، ومن آمن في الباطن، وحقق الإيمان الذي في قلبه، قلنا: لابد أن يكون الذي في قلبك له أثر وله علامات، تظهر على سمعك وعلى بصرك، وعلى يديك وعلى لسانك وعلى رجليك، وعلى مالك وعلى حالك، فإذا أظهرت ذلك فأنت مؤمن، وإذا لم تظهره فلست بمؤمن.