أدلة أخرى من الحديث وكلام الصحابة تدل على نقص الإيمان

قال الشارح رحمه الله: [وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان العقل والدين، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) .

والمراد: نفي الكمال، ونظائره كثيرة، وحديث شعب الإيمان، وحديث الشفاعة، وأنه يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فكيف يقال بعد هذا: إن إيمان أهل السماوات والأرض سواء، وإنما التفاضل بينهم بمعان أخر غير الإيمان؟! وكلام الصحابة رضي الله عنهم في هذا المعنى كثير أيضاً: منه قول أبي الدرداء رضي الله عنه: (من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينتقص) .

وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه: (هلموا نزدد إيماناً، فيذكرون الله تعالى عز وجل) .

وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه: (اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً) .

وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لرجل: (اجلس بنا نؤمن ساعة) .

ومثله عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه.

وصح عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: (ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان: إنصاف من نفسه، والإنفاق من إقتار، وبذل السلام للعالم) ، ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه.

وفي هذا المقدار كفاية، وبالله التوفيق] .

هذه أدلة واضحة تدل على تفاوت أهل الإيمان في إيمانهم، لا كما يقول المبتدعة: إن الناس سواء في الإيمان، وإنهم لا يتفاوتون إلا بمعان أخرى.

والنبي صلى الله عليه وسلم ينفي الإيمان عمن فعل بعض المعاصي، ويفسره العلماء بأن المراد: نفي كماله، إذا قال مثلاً: (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) هل يقال: إن من لم يأمن جاره بوائقه كَفَر؟ لا؛ بل نقول: إيمانه ناقص.

إذا قال مثلاً: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) هل نقول: إذا لم يحب لأخيه ما يحبه لنفسه فهو كافر؟ لا؛ ولكن نقول: إنه لم يؤمن الإيمان الكامل؛ وذلك لأن الإيمان يتفاوت أهله فيه، فيكون منهم من هو كامل الإيمان، ومنهم من هو ناقص الإيمان، فهذا كمال، وهو استيفاء هذه الخصال ونحوها.

وكذلك الأحاديث التي فيها حث النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن أن يفعل خصالاً، كقوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ، المعنى: أن هذه من خصال المؤمن الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، فيدل على أن من لم يفعلها فإنه ناقص إيمانه بالله وباليوم الآخر.

وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم) معلوم أنها تؤمن، ولكن سفرها يكون نقصاً في إيمانها، لا أنه نفي للإيمان كله.

وقوله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج) ، معلوم أنه لا يخاطب إلا من هي مؤمنة، ولكن إذا أحدت على أبيها -مثلاً- أكثر من ثلاث، لم تخرج بذلك عن الإيمان بالله واليوم الآخر، ولكن يكون هذا نقصاً في الإيمان.

ويقال كذلك في الخصال التي ذكر فيها الإيمان.

ولا شك أن هذا دليل على أنه أهله يتفاوتون، فمن استكمل هذه الخصال وابتعد عن الآثام فهو كامل الإيمان، وإلا فهو ناقص بحسب الأعمال التي أخل بها، أو المعاصي التي ارتكبها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015