قال الشارح رحمه الله: [والكلام في الوعيد مبسوط في موضعه، وسيأتي بعضه عند الكلام على قول الشيخ: وأهل الكبائر في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون.
والمقصود هنا: أن البدع هي من هذا الجنس، فإن الرجل يكون مؤمناً باطناً وظاهراً، لكن تأول تأويلاً أخطأ فيه، إما مجتهداً، وإما مفرطاً مذنباً، فلا يقال: إن إيمانه حبط لمجرد ذلك، إلا أن يدل على ذلك دليل شرعي، بل هذا من جنس قول الخوارج والمعتزلة.
ولا نقول: لا يكفر، بل العدل هو الوسط، وهو: أن الأقوال الباطلة المبتدعة المحرمة، المتضمنة نفي ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إثبات ما نفاه، أو الأمر بما نهى عنه، أو النهي عما أمر به، يقال فيها الحق، ويثبت لها الوعيد الذي دلت عليه النصوص، ويبين أنها كفر، ويقال: من قالها فهو كافر، ونحو ذلك، كما يذكر من الوعيد في الظلم في النفس والأموال، وكما قد قال كثير من أهل السنة المشاهير بتكفير من قال بخلق القرآن، وأن الله لا يُرى في الآخرة، ولا يعلم الأشياء قبل وقوعها.
وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: ناظرت أبا حنيفة رحمه الله مدة، حتى اتفق رأيي ورأيه: أن من قال بخلق القرآن فهو كافر] .
هذه تعتبر أمثلة من البدع، يعني: أن هناك بدعاً توصل إلى الكفر، وقد ذكرنا أن أهل السنة يكفرون غلاة الجهمية؛ وذلك لأن من قول الجهمية القول بأن القرآن مخلوق، والذي حملهم على هذا اعتقادهم أن الله تعالى لا يتكلم، فنفوا صفة الكلام عن الله، ومعلوم أن هذه الصفة صفة كمال، ونفيها يستلزم ضدها وهو النقص.
ولا شك أن من نفى هذه الصفة فقد تنقص الخالق، وكذلك قد أبطل الشرائع، فلا جرم أن أهل السنة قالوا: إن من قال بخلق القرآن فإنه كافر.
وقد نقل عن الإمام أحمد رحمه أنه لما كان يناظر على القرآن ويقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، فقالوا له: القرآن من جملة الموجودات.
فقال: القرآن من علم الله، وعلم الله صفة من صفاته.
فقال له بعض أولئك الجدليين: أنا أقول: إن علم الله مخلوق.
-تعالى الله عن ذلك! - فقال: قد كفرت بهذه الكلمة.
الله تعالى هو الخالق، وصفاته من ذاته، وكلامه من صفاته، وعلمه من صفاته، وكلامه من علمه، ومن ادعى أن صفة من صفاته مخلوقة فقد جعل الرب تعالى محلاً للحوادث، فيكون بذلك متنقصاً لله تعالى أكبر التنقص، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.