أكثر البدع لا يكفر بها كبدعة المرجئة وبدعة الخوارج وبدعة الجبرية والقدرية والأشعرية ونحوهم، فهذه البدع لا توصل إلى الكفر والبراءة من أصحابها، والأحاديث التي وردت في الخوارج: (أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) أحاديث وعيد، فقد تنطبق على بعضهم وقد لا تنطبق، والدليل على عدم التكفير: أن علياً رضي الله عنه سئل عنهم لما قاتلهم، فقالوا: أكفار هم؟ فقال: من الكفر فروا، قالوا: أمنافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً، وهؤلاء يذكرون الله كثيراً؛ فدل على أنه لم يكفرهم مع أنه قاتلهم؛ وذلك لأنهم يكفرون بالكبائر، فإذا كفرناهم صرنا مثلهم.
هناك بدعتان مكفرتان: بدعة غلاة الجهمية، وبدعة غلاة الروافض.
غلاة الجهمية: هم الذين غلوا في إنكار الصفات حتى صار حقيقة قولهم التعطيل.
وأما غلاة الرافضة: فهم الذين طعنوا في القرآن وطعنوا في السنة، وطعنوا في حملة الشريعة -وهم الصحابة -وكفروهم، فهؤلاء لم يكن عندهم دين يعتقدونه، فأصبحوا بذلك قد أبطلوا الشريعة وكفروا أهلها؛ فيكونون هم أولى بالكفر، مادام أنهم طعنوا في القرآن وادعوا أنه محرف قد زيد فيه ونقص منه النقص الكثير، وكذلك لم يقبلوا السنة ولو ثبتت، ولو رواها الخلفاء الثلاثة وغيرهم لا يقبلونها، ويرمون الخلفاء بأنهم كفرة وخونة ونحو ذلك، فهؤلاء ليس عندهم شرع يتمسكون به، فيكونون بذلك على غير شريعة، هذا يقال في غلاتهم الذين وصلوا إلى هذا الحد، أما الذين لم يكفروا الصحابة ولم يكفروا الخلفاء فلا يوصل في حقهم إلى التكفير.