قال الشارح رحمه الله: [وقد أبدلتها المعتزلة بأصولهم الخمسة التي هدموا بها كثيراً من الدين، فإنهم بنوا أصل دينهم على الجسم والعرض، الذي هو الموصوف والصفة عندهم، واحتجوا بالصفات -التي هي الأعراض- على حدوث الموصوف الذي هو الجسم، وتكلموا في التوحيد على هذا الأصل، فنفوا عن الله كل صفة، تشبيهاً بالصفات الموجودة في الموصوفات التي هي الأجسام، ثم تكلموا بعد ذلك في أفعاله التي هي القدر، وسموا ذلك: العدل.
ثم تكلموا في النبوة والشرائع، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، وهي مسائل الأسماء والأحكام، التي هي المنزلة بين المنزلتين، ومسألة إنفاذ الوعيد.
ثم تكلموا في إلزام الغير بذلك، الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضمنوه جواز الخروج على الأئمة بالقتال.
فهذه أصولهم الخمسة، التي وضعوها بإزاء أصول الدين الخمسة التي بعث بها الرسول.
والرافضة المتأخرون، جعلوا الأصول أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة.
وأصول أهل السنة تابعة لما جاء به الرسول.
وأصل الدين: الإيمان بما جاء به الرسول، كما تقدم بيان ذلك، ولهذا كانت الآيتان من آخر سورة البقرة - لما تضمنتا هذا الأصل - لهما شأن عظيم ليس لغيرهما، ففي الصحيحين عن أبي مسعود عقبة بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (بينا جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته) ، وقال أبو طالب المكي: أركان الإيمان سبعة، يعني هذه الخمسة، والإيمان بالقدر، والإيمان بالجنة والنار.
وهذا حق، والأدلة عليه ثابتة محكمة قطعية.
وقد تقدمت الإشارة إلى دليل التوحيد والرسالة] .
لما ذكر الشارح تأويلات الفلاسفة لأركان الإيمان الستة، ذكر بعد ذلك أركان الدين عند المعتزلة.
المعتزلة يتسمون بأنهم مسلمون، ويدعون أن الحق بجانبهم، ولهم مؤلفات ولهم كتب على مذهبهم ومعتقدهم، وجدوا وكثروا في القرن الثالث، ولكن تمكنوا بقوة وسيطروا على أكثر الأمة في القرن الرابع وما بعده، وأصبح وجود أهل السنة قليلاً في تلك القرون.
أركان الدين عندهم خمسة: يسمونها بأسماء حسنة: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما أحسنها من أسماء! ولكن محتوياتها وما تتضمنه وما تفسر به فيها الشر، فما المراد بهذه الأصول عندهم؟