الوجه الأول في استلزام الشهادة للأمر بالعبادة

قال رحمه الله: [ووجه استلزام شهادته سبحانه لذلك: أنه إذا شهد أنه لا إله إلا هو فقد أخبر وبين وأعلم وحكم وقضى أن ما سواه ليس بإله، وأن إلهية ما سواه باطلة، فلا يستحق العبادة سواه، كما لا تصلح الإلهية لغيره، وذلك يستلزم الأمر باتخاذه وحده إلهاً، والنهي عن اتخاذ غيره معه إلهاً، وهذا يفهمه المخاطب من هذا النفي والإثبات، كما إذا رأيت رجلاً يستفتي رجلاً أو يستشهده أو يستطبه وهو ليس أهلا لذلك ويدع من هو أهل له، فتقول: هذا ليس بمفت ولا شاهد ولا طبيب، المفتي فلان والشاهد فلان والطبيب فلان، فإن هذا أمر منه ونهي] .

كأن الشارح يقول: إن كلمة: (شهد الله أنه لا إله إلا هو) قد يؤخذ منها الأمر، ولكن كيف يؤخذ الأمر؟ إذا أخبر الله بهذا الخبر فقد أخبر بإلهيته الحقة، ونفى عن غيره الإلهية، فنفى أن يكون غيره صالحاً لأن يكون إلهاً، وإذا لم يصلح غيره للإلهية فكأنه يأمر عباده بأن يؤلهوه، فيقول: الإله الحق هو الله، فإذا كنتم تريدون نجاتكم فاتخذوه إلهاً، واتركوا إلهية ما سواه، هذا وجه أخذ الأمر من قوله: (شَهِدَ اللَّهُ) .

كل من سمع ذلك يقول: هذه شهادة الله، وإذا شهد الله وملائكته والعلماء من خلقه بهذا الشيء فقد بطل ما عداه، وكل ما سوى هذا المشهود به فهو باطل، فلا يصح حينئذٍ أن يجعل معه آلهة، ولا أن يؤلِّه غيره، فمن ألَّه غيره فقد ضل سعيه في الحياة الدنيا وخسر عمله.

وضرب مثلاً بما إذا سمعت إنساناً أو رأيت إنساناً يسأل إنساناً أن يعالجه، فقلت له: هذا ليس بطبيب، الطبيب فلان، فكأنك تقول: اذهب إليه واترك هذا فإنه ليس بطبيب.

أو يستشهده يقول: اشهد معي، يعتقد أنه مقبول الشهادة، فإنك تقول: هذا ليس بشاهد ولكن الشاهد فلان، فكأنك تقول: اذهب إليه واستشهده فإنه الذي تقبل شهادته.

وكذلك إذا رأيته يستفتي جاهلاً قلت: هذا ليس بمفت، المفتي فلان، كأنك تقول: اذهب إليه.

فهذا الذي أنت تخاطبه يفهم بأنك تأمره بأن يذهب إلى ذلك الطبيب الشاهد المفتي، فكذلك إذا قال الله: الإلهية الحقة لله، كأنه يقول: فألهوه واتخذوه إلهاً، واتركوا إلهية ما سواه، هذا وجه الدلالة من الشهادة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015