فسروا كلمة (استوى) بعشرة تفاسير: قال بعضهم: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] يعني: استقر عليه.
وقال بعضهم: (استوى على العرش) : ارتفع عليه.
وقال آخرون: (استوى) يعني: علا.
وقال آخرون: (استوى) يعني: صعد.
كما نظم ذلك ابن القيم في النونية بقوله لما ذكر أدلة الاستواء، وأنها سبع آيات فيها ثبوت الاستواء على العرش يقول: وكذلك اطردت بلا (لام) ولو كانت بمعنى (اللام) في الأذهان لأدت بها في موضع كي يحمل الباقي عليها وهو ذو إمكان اطردت في السبع الآيات بلفظ: (استوى) ، وما منها موضع واحد جاء بـ (اللام) استولى، فالسلف فسروها بأربعة تفاسير، وذكر ذلك بقوله: ولهم عبارات عليها أربع قد حررت للفارس الطعان وهي استقر وقد علا وكذلك ارتفع الذي ما فيه من نكران وكذاك قد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني يختار هذا القول في تفسيره أدرى من الجهمي بالقرآن وأبو عبيدة هو معمر بن المثنى من علماء اللغة فسر قوله: (استوى على العرش) أي: صعد، وكان من علماء اللغة، وذكروا أنه طرق عليه بعض أصحابه الباب، وكان في غرفة في أعلى بيته، فأطل عليهم من تحت وقال: استووا.
أي: اصعدوا إلي.
فدل على أن كلمة (استوى) تأتي بمعنى: صعد.
وعلى كل حال: فالاستواء دل عليه النقل، ولا يخالف العقل، وكل الأدلة تؤيد العقل، وعرف بذلك أن الاستواء قد دل عليه السمع، وأن العلو قد دل عليه النقل والعقل وهو الفطرة.
وأما تأويلات المتأولين بأن المراد: علو المكانة، أو علو المنزلة، وأن هذا مثل قولهم: فلان له مكانة في قلبي، أو له منزلة في نفسي، وفسروا العلو بعلو المكانة؛ فهذا خلاف الظاهر، وإذا قلنا: إن الله فوق عباده فلا يلزم أن يكون محتاجاً إلى شيء من مخلوقاته، بل هو {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] .
يقول الشارح: كلمة (المكانة والمنزلة) تأنيث المكان والمنزل، وعلى هذا يكونون قد أثبتوا مكاناً ومنزلاً، وسواء كان ذلك المكان في قلوب العباد أو فوق العباد فلابد أنهم قد أثبتوه.
وذكر الشارح أن العقل دل على انفصال الخالق عن المخلوق وتميزه عنه، وأنه لا يمكن أن يكون الخالق مختلطاً بالمخلوق، فإن ذلك يلزم منه أنه محل لحلول الحوادث.
وأما قول الفلاسفة: أنه لا داخل العالم ولا خارجه، فهو قول بالنفي المحض، فالشيء الذي لا داخل العالم ولا خارجه هو المعدوم حقاً، فكأنهم لا يثبتون إلهاً تعالى الله عن قولهم، بخلاف أهل السنة الذين أثبتوا أنه فوق العالم، وأنه ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، وأنه خلق خلقه متميزين عنه، والجميع خلقه، وهو الذي ابتدأ خلقهم وأنشأهم وقال لأحدهم: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:117] ، كما أخبر بذلك، فالخلق خلقه، والأمر أمره، والعباد عليهم أن يعبدوه وأن يصفوه بصفاته التي هي صفات الكمال.