يجب على المسلم أن يدين بعظمة ربه، وأن يستحضر جلاله وكبرياءه، وأن يكون ذلك حاملاً له على تعظيمه، وعلى خوفه وإجلاله، وعلى الرغبة في ثوابه، والرهبة من عقابه، ويكون ذلك بمعرفة الأدلة على ذلك، فالأدلة على عظمة الله سبحانه تعظيم الله لنفسه، فقد ورد في الحديث: (لا أحد أحب إليه المدح من الله، من أجل ذلك مدح نفسه) ، وورد أيضاً وصف الله بالكبرياء والعظمة، واختصاصه بذلك، كما في قوله في الحديث القدسي: (العظمة إزاري، والكبرياء ردائي) يعني: أن ذلك من خصائصه التي لا يجوز أن ينازعه فيها أحد، فإذا كان ذلك من خصائصه سبحانه فمنازعته ومشاقته في شيء مما هو خاص به يعتبر اعتراضاً على الله.
ومعلوم أن الإنسان إذا وجب عليه أمر تعين أن يعرف الدليل عليه، فالله تعالى قد أقام الأدلة على عظمته وجلاله، وعلى استحقاقه للتبجيل والإعظام، ووصف نفسه بقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} [النساء:34] فيجب أن نعتقد أن أنواع العظمة لله، فهو المستحق للتعظيم وأنواع الكبرياء، وأنواع العلو لله وحده.
قد يقول قائل: ما الفائدة التي أحصل عليها إذا وصلت إلى هذه العقيدة؟
وصلى الله عليه وسلم أن نقول: لا شك أنك متى قمت بهذا واعتقدته عقيدة صحيحة عظم قدر ربك في قلبك، فصعب عليك أن تعصيه، وعظم عليك أن تدين لغيره بالعظمة، وكذلك كبر عليك أن تترك طاعته، وعرفت أن له عليك حقوقاً كثيرة لابد أن تدين بها، ولابد أن تحرص على أدائها، وهذه من فوائد هذه المعرفة.
وقد مر بنا أن من صفات الله تعالى الغنى، فهو غني ومستغنٍ عن العرش وما دونه، فهو الذي خلق الخلق وليس بحاجة إلى عبادة الخلق، وليس بحاجة إلى شيء من المخلوقات، بل هو الغني عنهم: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ} [محمد:38] (وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن:6] فإذا دان العبد لله بالغنى، علم أن هذا الغنى عام، وأن الله مستغنٍ عن العرش، ومستغنٍ عن السماوات، ومستغن عن الأرض، ومستغنٍ عن المخلوقات كلها، ومستغنٍ عن جميع ما في الكون، فهو الخالق وحده، وقد وصف الله نفسه بأنه استوى على العرش، وبأنه علا على خلقه، ولا يدل ذلك على حاجته إلى أي مخلوق.