وقد توسع العلماء رحمهم الله في أمراض القلوب وفي بيان علاجها، وقد ذكر من ذلك جملة كثيرة ابن القيم رحمه الله في أول كتابه الذي سماه (إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان) ، وغيره من العلماء الذين تكلموا على أمراض القلوب وعلاجها، وذكروا أن علاجها بكتاب الله تعالى وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنه أيضاً هو غذاؤها، واستدلوا بالآيات التي تصف القرآن بأنه شفاء، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:57] ، والذي في الصدور هو الشكوك؛ فمن وقع في قلبه شك أو وقع في قلبه شيء من التردد أو ما أشبه ذلك، فليعالج قلبه بكتاب الله عز وجل، وبذلك يزول ذلك الشك ويزول ذلك المرض.
كذلك قول الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:82] ، فالمؤمنون هم الذين إذا قرءوا القرآن شفوا؛ سواء شفاء حسياً وهو إزالة الأمراض، أو شفاء معنوياً وهو تصفية القلوب وإزالة ما فيها من الصدأ، فإن القلب يصدأ كما يصدأ الحديد وجلاؤه بكتاب الله وبسنة رسوله، وبالعمل بالشريعة، فبذلك يصفو القلب ويستنير ويصير نوره محرقاً لتلك الأمراض التي يأتي بها أولئك المشبهون.
فعلى العبد أن يقبل على هذا العلاج النافع حتى يؤثر فيه، ولا يؤثر فيه إلا إذا كان صادق الرغبة في إقباله على الله، وصادقاً في محبته لكلام الله وكلام رسوله، ومصدقاً بما وصف به هذا القرآن من قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] ، وفي الآية الأخرى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ للمؤمنين} [يونس:57] فوصف بأربع صفات، وكل واحدة منها لها أهميتها.
كذلك قول الله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت:44] .