الكلام الأول يتعلق بالرضا بالقضاء والرضا بالمقضي، فنقول: يلزمنا أن نرضى بالقضاء، وأما المقضي الذي يقع بذلك القضاء فلا يلزمنا الرضا به، بل قد ننكره ونستبشعه، فمثل الشارح بقتل النفس ظلماً، نقول: هذا الذي قُتِل قد بلغ أجله الذي كتب له، ولم يقطع عليه أجله، فالله تعالى قضى وقدر وكتب أن عمره لا يزيد ولا ينقص، فالمقتول مات بأجله المحدد له، لأن الله تعالى يقول: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] ، ويقول تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154] أي: لو تحصنتم في بيوتكم والله قد كتب على بعضكم القتل، لخرجوا إلى أن يصلوا المكان الذي قدر الله أنهم يموتون أو يقتلون فيه ولا بد.
وقد ذكر الله تعالى أن الموت محتوم على الإنسان مهما تحصن، كما في قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة} [النساء:78] ، يعني: ولو تحصنتم في أحصن الأماكن، فإنه يصل إليكم الموت الذي قدره الله لكم سواء بسبب ظاهر أو بسبب خفي.
فمن حيث حصول الموت لهذه النفس نؤمن بأن هذا قضاء وقدر، وأنه مهما تحصن هذا المقتول فلن يحصل له التحصن أبداً مهما تحصن، ولا بد أن يحصل له ما قدر الله تعالى عليه، ولكن مع ذلك ننكر هذا الذنب على القاتل ونلومه عليه ونسخطه، والله تعالى أنكره عليه وتوعده على هذا القتل بوعيد شديد، وتوعده النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بأنه يستحق العقوبة، والله تعالى كتب القصاص في قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] وفي قوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] .
فهذا دليل على أنه من حيث إنه قضاء وقدر نرضى به، ومن حيث صدوره من ذلك الظالم القاتل نسخطه وننكره، ونلوم القاتل، وهكذا بقية الحوادث التي تحدث في الدنيا، منها ما نرضاه ومنها ما نسخطه من حيث الظاهر، أما من حيث القضاء والقدر فجميعه مرضي لله سبحانه وتعالى مقضي له، ومرضي للعباد.