قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومنشأ الضلال: من التسوية بين المشيئة والإرادة وبين: المحبة والرضا، فسوى بينهما الجبرية والقدرية ثم اختلفوا: فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فيكون محبوباً مرضياً.
وقالت القدرية النفاة: ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له، فليست مقدرة ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه.
وقد دل على الفرق بين المشيئة والمحبة الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة، أما نصوص المشيئة والإرادة من الكتاب فقد تقدم ذكر بعضها.
وأما نصوص المحبة والرضا فقال تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:205] {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:7] ، وقال تعالى عقب ما نهى عنه من الشرك والظلم والفواحش والكبر: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:38] .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) ، وفي المسند: (إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته) ، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك) .
فتأمل ذكر استعاذته بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة، فالأول للصفة والثاني لأثرها المترتب عليها، ثم ربط ذلك كله بذاته سبحانه وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إلى غيره؛ فما أعوذ منه واقع بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك، إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه، وإن شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فإعاذتي مما أكره ومنعه أن يحل بي هي بمشيئتك أيضاً، فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك، فعياذي بك منك، فعياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقوتك وعدلك وحكمتك، فلا أستعيذ بغيرك من غيرك، ولا أستعيذ بك من شيء صادر عن غير مشيئتك، بل هو منك.
فلا يعلم ما في هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية إلا الراسخون في العلم بالله ومعرفته ومعرفة عبوديته] .