ولا شك أن خلق الخير والشر، وخلق النفع والضر المتضادين، دليل على كمال القدرة، فإننا إذا رأينا أنه فرق بين الأخوين: هذا غني وهذا فقير، هذا سليم وهذا مريض، هذا سعيد وهذا شقي، هذا مهتد وهذا ضال؛ فلا شك أن هذا يدل على كمال التصرف، وأنه تصرف في خلقه كيفما شاء، وذلك دليل كمال القدرة.
فالظلمة ضدها النور، والليل ضده النهار، وكذلك المزدوجات كما في قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات:49] يعني: ذكراً وأنثى، فهكذا أيضا المتضادات: الصحة والمرض ضدان، والخير والشر، والغنى والفقر، والسعادة والشقاوة، الله تعالى هو الذي خلقها وقدرها، ولكن نعرف أن كل ما صدر عن الله تعالى فإنه بالنسبة إلى إيجاده هو خير، ولذلك ورد في حديث الاستفتاح: (لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك) .
معلوم أن الله يقدر الأمراض، وهو الذي قدر الفقر والمصائب، وهو الذي يقدر العاهات على العباد ونحوها، ولكن هل يقال: إنها شر بالنسبة إلى الله؟ ليست شراً، بل هي لحكمة ومحض مصلحة، فهذا معنى قوله: (والشر ليس إليك) .
وإذا تتبعت القرآن والأدلة تجد أن كل ما فيه شر ينسب إلى الإنسان وإن كان الله هو الذي أوجده وكونه وقدره، حكى الله عن إبراهيم أنه قال: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:79-80] لم يقل: وإذا أمرضني، مع أن الله تعالى هو الذي ينزل المرض ويقدره، ولكن لا يضاف إليه الشر المحض.
وحكى الله عن مؤمني الجن أنهم قالوا: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10] فالشر قالوا: أريد، والخير قالوا: (أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ) وذلك: حتى ينزه الله تعالى عن أن يصدر منه الشر المحض، وإن كان هو الذي قدر الشر، وخلقه وكونه، فإنه لا يكون في الوجود إلا ما يريد، فيعتقد العبد أن صدورها من الله تعالى خير ومحض مصلحة، وليس فيها أية ضرر بالنسبة إلى الله، ولو كان فيها كراهية للعباد وضرر عليهم حسياً، لكن ما خلقها وقدرها إلا لحكمة ومصلحة، فهي خير، فلا يضاف الشر إلى الله تعالى؛ هذا هو قول أهل السنة.