كذلك بعد أن علمه الله تعالى فإنه قد أثبته وكتبه في الذكر -اللوح المحفوظ- فأول ما خلق الله تعالى القلم فقال له: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة مما سيوجد، وممن سيولد، ومن أعمال العباد ونحو ذلك، يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70] يعني: علم ذلك وصفاته هو يسير على الله.
ويقول تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22] ، أي: من قبل أن نبرأ تلك المصيبة، بل من قبل أن نبرأ الخليقة كلهم، كتب ذلك في اللوح المحفوظ كما يشاء الله، وذلك يسير على الله، ليس فيه صعوبة؛ لأنه هو الذي يبدل الخلائق، وهو الذي يعلم أحوالهم ولا يخفى عليه شيء منهم.
فإذاً: ما داموا خلقه وأنه هو الذي يتصرف فيهم؛ فهم لا يخرجون عما علمه فيهم، وقد علم من سيصير إلى الخير، ومن سيصير إلى الشر، ولكن كلفهم وأمرهم بالإيمان بذلك الغيب.
وكذلك أعان هؤلاء وخذل هؤلاء، وله الحجة البالغة، وهدى من شاء وأضل من شاء وله الحجة البالغة على عباده، ولا يقول قائل: إن هذا يتخذ حجة للكافر بأن يقول: إذا كان الله كتب عليّ الشقاء فليس لي حيلة في أن أرد ما كتب الله؟ نقول: ومن أدراك بذلك؟ أنت مأمور بأن تفعل الأسباب، وقد يكون فعلك سبباً من الأسباب التي قدر الله بها أنك من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة.