وعلى كل حال فحجة الله قائمة، {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:149] ؛ وذلك لأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب؛ ولأنه فطر الناس على العبادة ولكن أضلتهم الأهواء وأضلتهم الشياطين، وأضلتهم المجتمعات ونحوها.
ومعلوم أن العادة -كما قلنا- أن الابن ينشأ على دين أبويه، بل إنه يختم له باتباعه في دينه؛ لكن في الشرع يكون تبعاً لخير أبويه، إذا كان أحد الأبوين مسلماً والآخر كافراً، حكمنا أنه يتبع خير أبويه في الدين، ولكن يحكم عليهم ما حكم على آبائهم، (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن القوم يبيتون فيصاب الأطفال) ، فقال: هم منهم يعني: إذا بيتنا المشركين في بيوتهم وقتلنا أطفالاً دون أن نتعمد؛ فما الحكم؟ فقال: (هم منهم) .
والمعنى: أننا نحكم بأنهم تبع لآبائهم، فما دام أن آباءهم يحاربوننا ويقاتلوننا ونقتلهم، فكذلك الأبناء يكونون تبعاً لهم؛ وذلك لأنهم غالباً ينشئون على نشأتهم كما حكى الله عن نوح بقوله: {وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:27] أي: كلما ولد لهم أولاد نشئوا على ما نشأ عليه آباؤهم من الفجور ومن الكفر، ومع ذلك فإن الله تعالى قد يخرج من أصلاب الكفار من يعبد الله ويعرفه، وإذا أراد به خيراً أدخله في الدين أو أدخل الدين عليه.
وعلى كل حال: فإن على الإنسان أن يحرص على أولاده، فيربيهم ويعلمهم، وعلى الولد أن ينظر فيما فيه والده وفيما عليه أهله؛ فإذا كان حقاً وصواباً قبله وعمل به، وإلّا سأل عن الحق واتبعه، ولم يعمل بالباطل ولو كان عليه أهله، أو مجتمعه، أو قبيلته، وأسرته، أو نحو ذلك.