وقد اختُلف في المراد بالذرية المأخوذين هل هم مأخوذون من ظهر كل إنسان، أو كلهم من آدم؟ وظاهر الآية أنهم من ظهور بني آدم، فقد قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف:172] أي: من كل إنسان أخرج ذريته.
ثم كلمهم وخاطبهم وقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172] ، ويكون هذا هو الفطرة التي فطر الله عليها الخلق، كما في قوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30] .
وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه، كما تنتج البَهِيْمَة بُهَيْمَةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟) ، فأخبر بأن الآدمي يولد على الفطرة، وإنما تتغير فطرته بسبب ما يتلقاه من أبويه أو من أقاربه أو من بيئته ومن ينشأ بينهم، وإلا فلو ترك كل أحد على فطرته لعرف ما خلق له، ولعرف أنَّ له رباً، ولعرف أنه مكلف ولبحث بعد ذلك عن التكاليف التي أُمر بها.
ويؤيد هذا أن الفطرة هي الخلقة والابتداء، كما في قوله تعالى: {فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلَاً} [فاطر:1] : و (فاطرها) : منشئها ومبدئها وموجدها، فالله تعالى هو الذي فطر الخلق، أي: ابتدأ خلقهم وأوجدهم على غير مثال سبق.