والحاصل أن الشفاعة ملك لله كما عرفنا، وإذا كانت ملكاً لله فلا تُطلب من مخلوق، فلا تُطلب من النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، فنبينا صلى الله عليه وسلم هو سيد الشفعاء، ومع ذلك لا يشفع أولاً حتى يستأذن على ربه فيسجد ويطيل سجود، فيقال له: (ارفع رأسك، وقل تُسمع، وسل تعطَه، واشفع تشفع) .
فيبدأ بحمد الله كما تقدم في حديث أنس، فيحمده بمحامد يفتحها الله تعالى عليه، فذلك لا شك أنه لأجل أن يمجد ربه، فيبدأ بتمجيد الله تعالى حتى يأذن له.
ومرت بنا الأدلة التي تدل على أن الملك ملك الله، وأنه عليه الصلاة والسلام -مع ما خصه الله به- ليس له ملك وليس له تصرف، ومن ذلك الاستدلال بقوله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] نزلت لما أنه صلى الله عليه وسلم شُج وجهه يوم أحد وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه فقال: (كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم؟!) فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] يعني: أن الأمر ليس لك، وإذا لم يكن له من الأمر شيء في الدنيا، فكذلك الأمر في الآخرة.
وكذلك قوله تعالى في الآية الثانية رداً على المنافقين الذين يقولون: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران:154] قال الله: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:154] ، فالأمر كله لله، ليس لمحمد ولا لـ حسن ولا لـ عيدروس ولا لغيرهم من المخلوقين، الأمر كله لله، وإذا كان لله فليُطلب ممن هو له.
كذلك أيضاً الاستدلال بهذه الأحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يغني عن أقاربه شيئاً، يقول في هذا الحديث لـ عباس ولـ فاطمة ولـ صفية ولبني هاشم ولبني عبد مناف: أنقذوا أنفسكم من النار، لا أغني عنكم من الله شيئاً، لا أملك لكم من الله من شيء، يقول لابنته: (يا فاطمة بنت محمد! أنقذي نفسك من النار، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئاً) .
إذا كان لا يغني عنهم من الله شيئاً، وإذا كان لا يملك لعمه ولا لعمته ولا لأعمامه ولا لأعمام أبيه أو أبناء أعمامه ولا لابنته من الله شيئاً، وأن الملك كله لله، فكيف يُطلب وكيف يُدعى؟! وإذا بطل هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بالـ عباس؟! وكيف بـ علي؟! وكيف بـ ابن عباس؟! وكيف بفلان وفلان ممن هم دونهم ودونهم بمراتب؟! فإذاً: الملك لله، وطلب الشفاعة من الله، وطلب الوسيلة وطلب الملك كله من الله، فإذا طلب العبد ربه عند ذلك أجاب الله تعالى دعوته.