بعد ذلك يستجيب الله دعوته فيفصل بينهم، ويقول -كما في هذا الحديث-: (إني أنصتُ لكم منذ خلقتُ السماوات والأرض إلى هذا اليوم، فأنصتوا لي لأحكم بينكم) ، فعند ذلك تنصب الموازين، وتنشر الدواوين، ويأتي دور الحساب، ويحاسب الله كل أحد، وتتفرق الكتب وتتطاير الصحف بالأيمان وبالشمائل، فآخذٌ كتابه بيمينه، وآخذٌ كتابه بشماله، فيُسعد الله أقواماً ويُشقي أخرين، يسعد أهل الدين وأهل التقوى وأهل الصلاح، ويشقى أهل الفساد وأهل الكفر والعناد.
بعد ذلك يكون ما أخبر الله به من كونه يميز هؤلاء من هؤلاء، فتُفَرَّق عليهم أنوار، فيمشون في أنوارهم فينطفئ نور المنافق ونور الكافر، ثم يتأخر فيُضرب بينهم بسور له باب، وذلك تمهيد وفصل بين أهل التقوى وأهل الشقاوة -والعياذ بالله- حتى يميز الله بينهم.
ثم بعدما يتميزون ويركبون الصراط ويسلكونه وهو جسر على متن جهنم يمرون عليه بقدر أعمالهم، كما ذُكر في بعض الأحاديث أنه أحر من الجمر وأحد من السيف وأدق من الشعرة، وأنهم يسيرون عليه بأعمالهم، فمنهم من يمر عليه كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل والركاب، ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً، وعلى جنبتي الصراط كلاليب مثل شوك السعدان تخطف من أُمرت بخطفه، فناجٍ مُسَلَّم، ومخدوش، ومكردس في النار تختطفه تلك الكلاليب التي ذكر أنها مثل شوك السعدان إلا أنه لا يُعلم قدرها إلَّا الله تعالى.
فإذ نجوا من الصراط وسلكوه وكانوا قد وُعدوا بأنهم يرِدون النار في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71] قالوا: أين النار التي وعدنا الله بأنا سوف نردها؟ فيقال: إنكم مررتم عليها وهي خامدة.
يعني: عندما مروا على الصراط وكان منصوباً على متن جهنم، وذلك لأنه إذا مر المؤمن لم يحس بلهبها، بل تقول: جُز يا مؤمن، فقد أطفأ نورُك لهبي.
عند ذلك يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ويُقتص من بعضهم لبعض مظالم كانت بينهم، فإذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِن لهم بدخول الجنة، ولا يدخلونها أيضاً إلا بعد أن يستأذن لهم أو يشفع لهم نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذه من خصائصه ومن مميزاته.