قال رحمه الله تعالى: [والذي يتلخص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض أنه حوض عظيم ومورد كريم، يُمد من شراب الجنة من نهر الكوثر الذي هو أشد بياضاً من اللبن وأبرد من الثلج وأحلى من العسل وأطيب ريحاً من المسك، وهو في غاية الاتساع عرضه وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر، وفي بعض الأحاديث أنه كلما شُرِب منه وهو في زيادة واتساع، وأنه ينبت في حالٍ من المسك، والرضراض من اللؤلؤ وقضبان الذهب، ويثمر ألوان الجواهر، فسبحان الخالق الذي لا يعجزه شيء! وقد ورد في أحاديث أن لكل نبي حوضاً، وأن حوض نبينا صلى الله عليه وسلم أعظمها وأجلها وأكثرها وارداً، جعلنا الله منهم بفضله وكرمه.
قال العلامة أبو عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى في التذكرة: واختُلف في الميزان والحوض: أيهما يكون قبل الآخر؟ فقيل: الميزان، وقيل: الحوض.
قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل.
قال القرطبي: والمعنى يقتضيه؛ فإن الناس يخرجون عطاشاً من قبورهم كما تقدم فيقدم قبل الميزان والصراط.
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتاب كشف علم الآخرة: حكى بعض السلف من أهل التصنيف أن الحوض يورد بعد الصراط، وهو غلط من قائله.
قال القرطبي: هو كما قال.
ثم قال القرطبي: ولا يخطر ببالك أنه في هذه الأرض، بل في الأرض المبدلة، أرض بيضاء كالفضة، لم يُسفك فيها دم، ولم يُظلم على ظهرها أحد قط، تظهر لنزول الجبار جل جلاله لفصل القضاء.
انتهى.
فقاتل الله المنكرين لوجود الحوض، وأخْلَق بهم أن يحال بينهم وبين وروده يوم العطش الأكبر!] .
في هذا ملخص صفة الحوض المورود، فله أربع زوايا، أي: أنه مربع، وكل زاوية منه مسيرة شهر، ماؤه أشد بياضاً من اللبن- واللبن في غاية البياض- وأحلى من العسل الذي هو أشد الأشياء حلاوةً، وأطيب ريحاً من المسك، أي: أنه مع ذلك له رائحة عبقة طيبة.
وذكر أيضاً أنه ينبت في جوانبه وفي رضراضه من النبات الذي يكون مبهجاً للنفوس من اللؤلؤ والمرجان وأنواع الجواهر ما الله تعالى به عليم، والله على كل شيء قدير، وأنه يرِده المؤمنون ويذاد عنه الكافرون والمكذبون والمنافقون، وأنه يكون قبل الميزان وقبل الصراط، وذلك لأن الناس عندما يُبعثون من قبورهم حفاةً عراة غرلاً بُهماً يكونون في تلك الحال شديدٌ عطشهم، فهم بلا شك بحاجة إلى ما يدفعون به ذلك العطش، فيرِدون لينهلوا من ذلك الحوض، حتى إذا رووا واطمأنوا عند ذلك يُفصل بينهم، فتنصب الموازين، وينصب الصراط، وتوزن الأعمال، وتتطاير الصحف، ويُعرف بذلك أهل السعادة من أهل الشقاوة حتى يفصل الله بينهم.
والذين أنكروا هذه الأمور الواردة خليق بهم وحري أن يحال بينهم وبين وروده كما أنهم كذبوه، وكما أن الذين كذبوا برؤية الله تعالى حري أن يكونوا عن ربهم محجوبين.
فالذين أنكروا الأمور التي أخبر الله بها أو أخبر بها رسوله، لا شك أنهم مكذبون، لم يصدقوا التصديق اللازم عليهم، ولم يأتوا بما يجب عليهم، إنما صدقوا بما يناسب أهواءهم، والواجب على المسلم أن يصدق بكل ما جاءه من الله تعالى، سواءٌ أدركه عقله أم لا، فيكون بذلك حقاً من الذين يؤمنون بالغيب، ومن الذين يصدقون الله تعالى ويصدقون رسله، ومن الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.