ولو كان علم الكلام وتفاصيله من الشريعة ما أهملته الرسل، بل لعلمته الرسل لأممها، ونحن لم يُنقل لنا عن نبينا شيء من ذلك، ما نُقل عنه أنه خاض بأصحابه في هذا العلم الذي هو الجدل والخصومات والمنازعات ونحوها، ونعلم أنه ما تكلم فيها، بل كلامه في معرفة الله وفي عظمته وفي صفاته، وكلامه في أحكامه وأوامره ونواهيه وما إلى ذلك؛ هذا هو الذي بلغه لأمته، وبلغته أمته بعضها لبعض.
يقول بعض السلف: أنا أحلف لو حُلِّفتُ أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة ماتوا ولم يتكلموا في لفظ التركيبب ولا الحيز ولا الجهة ولا الجوهر ولا العَرَض بالمعنى الذي أراده المتكلمون.
وإذا لم يتكلم فيها هؤلاء الصحابة فلا خير فيها.
وقد ثبت أن بعض المتكلمين وهو ابن أبي دؤاد الذي زين للخلفاء أن يمتحنوا الناس في علم الكلام، ومنه القول بخلق القرآن.
جاءه أحد العلماء فقال له: أخبرنا عن هذا الذي تدعو الناس إليه، هل علمه نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو ما علموه؟ فإذا قلتَ ما علموه قلنا: كيف تعلم شيئاً ولا يعلمونه؟ أأنت أعلم من الرسول؟ أأنت أعلم من الخلفاء الراشدين؟ حاشا وكلا، لا تكون أعلم منهم.
وإذا قلت: بل يعلمونه فهلَّا وسعك ما وسعهم، فهل دعوا إليه؟ وهل نشروه؟ وهل علَّموه الناس؟ وهل ألزموهم باعتقاده؟ وإذا لم يفعلوا فاتبعهم، ولا تنشره ولا تظهره، فإذا كان لك عقيدة فاكتمها في نفسك ولا تلزم غيرك بأن يعتقدها، فلماذا لا يسعك ما وسعهم؟ لا وسع الله على من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين وصحابته والتابعين وأئمة الدين.