قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: (بلا كيفية) أي: لا تعرف كيفية تكلمه به (قولاً) ليس بالمجاز، (وأنزله على رسوله وحياً) أي: أنزله إليه على لسان الملك فسمعه الملك جبرائيل من الله، وسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم من الملك وقرأه على الناس، قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا} [الإسراء:106] ، وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195] ، وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى] .
يقول بعض العلماء: إنه تتبع ذكر القرآن فوجد ذكره في هذا المصحف في أكثر من خمسين موضعاً، وغالباً يذكر بلفظ الإنزال والتنزيل، ولم يذكر بلفظ (الخلق) وذكر بلفظ (الجعل) في قوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف:3] ، ولكن فسر الجعل بأنه التصيير، يعني: صيرناه عربياً، حيث إنه أنزل على قوم من العرب ليفهموه وليعلموه لمن بعدهم أو لغيرهم.
فهذا القرآن ذكر بلفظ الإنزال كقوله تعالى: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر:2] ، {تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت:2] ، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر:1] ، {مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} [الأنعام:114] ، {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] ، وكل ذلك دليل على أنه منزل من الله، واستدلوا بذلك أيضاً على صفة العلو؛ لأن النزول لا يكون إلا من فوق.
فالقرآن منزل من الله تعالى، والله تعالى فوق سماواته كما يشاء والقرآن نزل منه، والذي نزل به هو الملك، والذي نزل عليه هو الرسول، وكذلك الرسل قبله أنزلت عليهم هذه الكتب التي هي مضمنة للشرائع التي شرعت لهم، فالتنزيل يدل على أنه نزل بعد أن كان تكلم الله تعالى به وكتبه في اللوح المحفوظ وأمر به الملك فأنزله على رسوله فأصبح متلواً مقروءاً مكتوباً، ولم يخرج بذلك كله عن كونه كلام الله سبحانه وتعالى.