قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبالجمة فكل ما تحتج به المعتزلة مما يدل على أنه كلام متعلق بمشيئته وقدرته، وأنه يتكلم إذا شاء وأنه يتكلم شيئاً بعد شيء، فهو حق يجب قبوله، وما يقوله من يقول: إن كلام الله قائم بذاته، وإنه صفة له، والصفة لا تقوم إلا بالموصوف، فهو حق يجب قبوله والقول به، فيجب الأخذ بما في قول كل من الطائفتين من الصواب والعدول عما يرده الشرع والعقل من قول كل منها.
فإذا قالوا لنا فهذا يلزم أن تكون الحوادث قامت به قلنا: هذا القول مجمل، ومن أنكر قبلكم قيام الحوادث -بهذا المعنى- به تعالى من الأئمة؟ ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك، ونصوص الأئمة أيضاً مع صريح العقل] .
يعني: أننا نقبل ما جاءوا به من الحق ونرد الباقي، فإذا قالوا: إن كلام الله تعالى صفة قائمة بذاته.
قلنا: هذا صحيح، ولكن قولهم: إنه معنىً واحد، هذا لا نوافقهم عليه، وذلك لأن فيه ذكر الجنة وفيه ذكر النار، فعلى أنه معنىً واحد لا يكون بين آية الوعد والوعيد فرق، وكذلك فيه ذكر العذاب وفيه ذكر الرحمة، وإذا كان معنىً واحداً لم يكن بين هذه الآية وهذه الآية فرق.
فإذاً لا يوافقون على قولهم: إنه معنىً واحد، ولكن يوافقون على أنه قائم بذاته، كما أن سائر الصفات قائمة بالموصوف، فلا تعقل صفة إلا وهي قائمة بالموصوف، فالبياض لابد أن يكون قائماً بشيء أبيض، ولا يوجد منفصلاً، ولا ينتزع البياض من الثوب ويقبض عليه ويقال: هذا البياض انتزع، وكذلك الحمرة -مثلاً- والسواد لابد أن تقوم بشيء يوصف بأنه أبيض أو أسود أو أحمر، فكذلك الصفات، فالسمع لابد أن يقوم بمن يسمع، والكلام لابد أن يقوم بمن يتكلم ولا يقوم بذاته.
فإذاً الصفات نوافق في أنها قائمة بذاته، ولكن نرفض قولهم: إننا إذا قلنا إنه يتكلم وإنه يعلم ويقدر يكون ذلك سبباً لكون الحوادث تقوم به.
وهذه أكبر شبهة يتشبثون بها، فيرمون أهل السنة بأنهم يقولون إن الحوادث تقوم بذات الله.
على معتقدهم أن الله تعالى قائم بذاته وبأفعاله، وأنه لا يحدث منه شيء بعد أن لم يكن، وهذا خطأ، بل الله تعالى يحدث ما يشاء، فيسمع ما يحدث بعد أن لم يكن حادثاً، يسمع الأصوات التي حدثت بعد أن لم تحدث، ويرى الأشخاص الذين تجدد خلقهم بعد أن لم يكن متجدداً.
والرؤية جنسها قديم وهي حادثة، فيقال: بصر الله تعالى وصفته بأنه يرى قديم، ولكن هذا الإبصار حادث، ولا يلزم قيام الحوادث بذات الله.