معرفة الله عز وجل معرفة فطرية فطر الخلق عليها، ودين الإسلام الذي اختاره الله ديناً له وأرسل به الرسل دين فطري، بمعنى أن القلوب مفطورة على استحسانه، وعلى أنه الدين الصحيح، ولو فكر كل عاقل في هذا الدين لعرف أنه أصح الأديان، وأن من دان بغيره فهو خاسر {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] ، وفي الآية الكريمة في سورة الروم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] يعني: فطرهم على معرفته وعلى استحقاقه لأن يعبد، ولكن أفسدت عليهم الشياطين تلك الفطرة، وأفسدتها عليهم البيئات والمجتمعات، وأفسدها عليهم الآباء والأجداد والأمهات والجدات، وأفسدها عليهم المربون والمعلمون والمنشئون، ولو تركوا وما تميل إليه فطرتهم لمالوا إلى الإسلام، ولعرفوا أنه الدين الحق، وإن كان لا بد من تنبيههم على تفاصيله، وهذا ما دل عليه الحديث: (كل مولود يولد على الفطرة) يعني: على معرفة أنه مخلوق وأن له خالقاً، وأن الخالق هو الذي يستحق أن يعبد.
وفي الحديث القدسي: (إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين) (حنفاء) يعني: مستقيمين على الدين.
ولكن سلطت عليهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وأخرجتهم عن الحنيفية، وحرمت عليهم الحلال وأحلت لهم الحرام، وأوقعتهم في الشرك والضلال.
ومعلوم أن الإنسان بفطرته يفضل الدين الصحيح، وأن أصح الأديان هو هذا الدين، ولكن كثرة المنحرفين وكثرة النصارى وكثرة اليهود وكثرة المشركين وكثرة المبتدعين إنما هي بسبب الدعايات التي تصد عن الإسلام، ومعلوم أن الله سبحانه أوضح الحق، وأرسل به الرسل، وأنزل به الكتب، ولكن هناك أعداء للحق، وهؤلاء الأعداء يحرصون على أن يميلوا بالناس إلى ما هم عليه، فالمشركون يحبون أن يكثر أمثالهم، وكذلك المبتدعون، كل أهل بدعة يحبون أن الناس يكونون معهم على بدعتهم، والأصل الذي يدفعهم إلى ذلك هو الشيطان، فالشيطان لما كان عدو الإنسان زين له البدع، وزين له الشرك، وزين له الكفر، ثم أمره بأن يدعو الناس إلى ما ينتحله.