قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: (كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً) رد على المعتزلة وغيرهم؛ فإن المعتزلة تزعم أن القرآن لم يبدُ منه، كما تقدم حكاية قولهم، قالوا: وإضافته إليه إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله، يحرفون الكلم عن مواضعه، وقولهم باطل؛ فإن المضاف إلى الله تعالى معانٍ وأعيان، فإضافة الأعيان إلى الله للتشريف، وهي مخلوقة له، كبيت الله، وناقة الله، بخلاف إضافة المعاني، كعلم الله، وقدرته، وعزته، وجلاله، وكبريائه، وكلامه، وحياته، وعلوه، وقهره؛ فإن هذا كله من صفاته، لا يمكن أن يكون شيء من ذلك مخلوقاً.
والوصف بالتكلم من أوصاف الكمال، وضده من أوصاف النقص، قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً} [الأعراف:148] ، فكان عُبَّاد العجل مع كفرهم أعرف بالله من المعتزلة؛ فإنهم لم يقولوا لموسى: وربك لا يتكلم أيضاً.
وقال تعالى عن العجل أيضاً: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} [طه:89] ، فعلم أن نفي رجوع القول، ونفي التكليم نقصٌ يستدل به على عدم ألوهية العجل.
وغاية شبهتهم أنهم يقولون: يلزم منه التشبيه والتجسيم! فيقال لهم: إذا قلنا إنه تعالى يتكلم كما يليق بجلاله انتفت شبهتهم، ألا ترى أنه تعالى قال: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} [يس:65] ، فنحن نؤمن أنها تكَلَّم، ولا نعلم كيف تتكلم، وكذا قوله تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:21] ، وكذلك تسبيح الحصى والطعام وسلام الحجر كل ذلك بلا فم يخرج منه الصوت الصاعد من الرئة المعتمد على مقاطع الحروف.
وإلى هذا أشار الشيخ رحمه الله بقوله: (منه بدا بلا كيفية قولاً) أي: ظهر منه ولا ندري كيفية تكلمه به، وأكد هذا المعنى بقوله: (قولاً) ، أتى بالمصدر المعرف للحقيقة، كما أكد الله تعالى التكليم بالمصدر المثبت للحقيقة النافي للمجاز في قوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] ، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟