قال المؤلف رحمه الله: [وقد ذكروا فروقاً بين النبي والرسول، وأحسنها أن من نبأه الله بخبر السماء إن أمره أن يبلغ غيره فهو نبي رسول، وإن لم يأمره أن يبلغ غيره فهو نبي وليس رسولاً، فالرسول أخص من النبي، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، ولكن الرسالة أعم من جهة نفسها، فالنبوة جزء من الرسالة، إذاً الرسالة تتناول النبوة وغيرها، بخلاف الرسل فإنهم لا يتناولون الأنبياء وغيرهم، بل الأمر بالعكس، فالرسالة أعم من جهة نفسها وأخص من جهة أهلها.
وإرسال الرسل من أعظم نعم الله على خلقه، وخصوصاً محمداً صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164] ، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]] .
ذكر أن هناك فرقاً بين الرسول والنبي، وقد عطف الله بعضهم على بعض في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} [الحج:52] ، وأكثرهم على أن الرسول هو الذي يكلف بالتبليغ، فإذا لم يكلف بالتبليغ ولم يلزم بذلك فهو نبي وليس برسول.
فإذاً الرسالة أخص، والأنبياء أكثر من الرسل، ولذلك ورد في عددهم أنهم أكثر من مائة ألف نبي، وأن الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، وقد ذكر الله في القرآن عدداً منهم، قال تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر:78] ، ولا شك أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء ورسالته هي خاتمة الرسالات وشريعته هي آخر الشرائع.
ولا شك أن إرسال الرسل إلى أهل الأرض نعمة من الله؛ وذلك ليبلغوهم شرع الله عندما يعظم الجهل ويتراكم على القلوب، وتطول الغفلة، ويطول زمن الفترة، ويقع الناس في المعاصي والكفر، ويحق عليهم العذاب، عند ذلك يرسل الله إليهم رسلاً، فيرسل إليهم ذلك الرسول يبين لهم ما وقعوا فيه من الجهالات، وما أخطئوا فيه من الأعمال، ويدعوهم إلى الرجوع إلى ربهم وإلى ترك البدع والضلالات والشركيات، وإلى اتباع الشريعة والطاعة لله ولرسله، فإذا أصروا وعاندوا أهلكهم، وإذا آمنوا نصرهم وأيدهم وقواهم.
وقد ذكر الله أن رسالة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام من أعظم المنن على هذه الأمة وأكبر النعم في موضعين في القرآن: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [آل عمران:164] ، وفي الموضع الآخر: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:2] ، فذكر أن ذلك منة من الله عليهم حيث أصبح سبباً في انتشالهم من الجهالات وإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد:9] .
فإذاً هذه الرسالة نعمة من الله، وقبله كان الناس في جهالة لا يعرفون لماذا ولا بماذا أمروا، ولا بماذا كلفوا، فيعبدون الأوثان، ويشركون بالله، ويستحلون المحرمات، وليس عندهم إيمان بالبعث والجزاء والنشور، ولا معرفة لحلال ولا حرام، فهم جهلة في غاية الجهل، فلما جاءت هذه الشريعة أصبحوا عارفين حق المعرفة فيهم، وزالت عنهم تلك الأمور الجاهلية، وأصبحوا ذوي معرفة وذوي إيمان، وتلك منة الله على عباده، فما عليهم إلا أن يشكروا ربهم على ما أعطاهم الله ووهبهم.
قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152] ، فبعدما أخبر بأنه أرسل هذا الرسول ليبين لهم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة أمرهم بذكره وبشكره، ولا شك أن مظهره أن يطيعوا هذا الرسول وأن يتبعوه وأن يعملوا بشريعته، وفائدته ونتيجته هي أن ينصرهم الله تعالى ويؤيدهم ويقويهم، ويعزهم ويظهر دينهم على الدين كله ولو كره المشركون.