قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومما ينبغي أن يعرف أن ما يحصل في القلب بمجموع أمور قد لا يستقل بعضها به، بل ما يحصل للإنسان من شبع وري وشكر وفرح وغم بأمور مجتمعة لا يحصل ببعضها، ولكن ببعضها قد يحصل بعض الأمر، وكذلك العلم بخبر من الأخبار؛ فإن خبر الواحد يحصل للقلب نوع ظن، ثم الآخر يقويه، إلى أن ينتهي إلى العلم، حتى يتزايد ويقوى، وكذلك الأدلة على الصدق والكذب ونحو ذلك.
وأيضاً فإن الله سبحانه أبقى في العالم الآثار الدالة على ما فعله بأنبيائه والمؤمنين من الكرامة، وما فعله بمكذبيهم من العقوبة، كثبوت الطوفان، وإغراق فرعون وجنوده، ولما ذكر سبحانه قصص الأنبياء نبياً بعد نبي في سورة الشعراء كقصة موسى وإبراهيم ونوح ومن بعده يقول في آخر كل قصة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:67-68] .
وبالجملة فالعلم بأنه كان في الأرض من يقول: إنه رسول الله، وأن أقواماً اتبعوهم، وأن أقواماً خالفوهم، وأن الله نصر الرسل والمؤمنين، وجعل العاقبة لهم، وعاقب أعداءهم؛ هو من أظهر العلوم المتواترة وأجلاها.
ونقل أخبار هذه الأمور أظهر وأوضح من نقل أخبار من مضى من الأمم من ملوك الفرس وعلماء الطب كـ بقراط وجالينوس وبطليموس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وأتباعه] .
يقول: بمجموع دلائل النبوة يقوى التصديق بنبوة ذلك النبي، فالله تعالى يؤيد الأنبياء بمعجزات بمجموعها يعرف به صدق كل واحد منهم، ولو لم يكن إلا معجزة واحدة لتوقف الناس أو بعضهم في الصدق، ولكن إذا تأيدت المعجزة بمعجزة أخرى ثم جاءت ثالثة ثم رابعة وهكذا، فمجموعها بلا شك يثير في النفس انتباهاً، ويكون سبباً في التصديق وقوة اليقين.
ثم ضرب لذلك مثلاً؛ بأن الإنسان لا يتأثر بكلمة، ولكن يتأثر بكلمات، وكذلك لا يشبع من لقمة واحدة، ولكن مجموع اللقم يشبعه، لا يروى عادة من جرعة واحدة حتى تجتمع جرعات.
وكذلك لا يصدق الإنسان في الأمور الكبيرة بخبر شخص واحد حتى يجتمع عنده أشخاص، فالخبر الأول يثير في النفس انتباهاً، والخبر الثاني يقوي ذلك الذي في النفس، ولا يزال يقوى إلى أن يصير كالشمس يقيناً، فهكذا معجزات الأنبياء بمجموعها يحصل اليقين والتصديق بأن ما جاءوا به من الله تعالى.