والقصة الثانية مع ورقة بن نوفل، ذكروا أن ثلاثة من قريش أنكروا ما عليه قريش من الضلال، وذهبوا يطلبون ديناً أحسن من ذلك الدين، فكان منهم ورقة الذي اتصل بالنصارى، وتعلم دينهم وتعلم لغتهم وكتابتهم وتنصر، ثم رجع إلى قومه ومعه الإنجيل يترجمه إلى اللغة العربية، وينسخ منه ما شاء الله، وكان معه معرفة بالكتب الأولى وبما اشتملت عليه، وبصفات النبي صلى الله عليه وسلم التي اشتمل عليها الإنجيل وغيره، فلما جاءت إليه أمرته أن يسمع ما يقوله النبي عليه الصلاة والسلام، فقص عليه ما رأى، فعرف من كلامه أنه ليس بكاذب، وأن هذا الذي نزل عليه هو الملك الذي نزل على موسى.
كيف عرف ذلك؟ عرفه بالأمارات التي قرأها في كتب أهل الكتاب، وعرف أيضاً صدقه فيما جاء عنه أنه ليس من أهل الكذب، وقال: (هذا الناموس الذي نزل على موسى، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال: أومخرجيَّ هم؟ قال: نعم.
لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً) .
فآمن به وصدقه وشهد بأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى -يعني: وسائر الأنبياء-، وأخبر بأنه سيناله ما نال الأنبياء من الأذى في ذات الله تعالى.
فهذا من أهل الكتاب شهد له بأنه جاء بما جاء به الأنبياء؛ لما عرف من الأمارات والدلالات على الصدق.