الكلام على مسألة الاسم والمسمى

قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك قولهم: الاسم عين المسمى أو غيره، وطالما غلط كثير من الناس في ذلك، وجهلوا الصواب فيه، فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، أو (سمع الله لمن حمده) ونحو ذلك، فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت: الله: اسم عربي، والرحمن: اسم عربي، والرحمن: من أسماء الله تعالى ونحو ذلك، فالاسم ها هنا هو المراد لا المسمى، ولا يقال غيره لما في لفظ الغير من الإجمال: فان أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا من أعظم الضلال والإلحاد في أسماء الله تعالى.

والشيخ رحمه الله أشار بقوله: (ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه) إلى آخر كلامه إلى الرد على المعتزلة والجهمية ومن وافقهم من الشيعة، فإنهم قالوا: إنه تعالى صار قادراً على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادراً عليه، لكونه صار الفعل والكلام ممكناً بعد أن كان ممتنعاً، وأنه انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي.

وعلى ابن كلاب والأشعري ومن وافقهما فإنهم قالوا: إن الفعل صار ممكناً له بعد أن كان ممتنعاً منه.

وأما الكلام عندهم فلا يدخل تحت المشيئة والقدرة، بل هو شيء واحد لازم لذاته.

وأصل هذا الكلام من الجهمية فإنهم قالوا: إن دوام الحوادث ممتنع، وإنه يجب أن يكون للحوادث مبدأ، لامتناع حوادث لا أول لها، فيمتنع أن يكون الباري عز وجل لم يزل فاعلاً متكلماً بمشيئته، بل يمتنع أن يكون قادراً على ذلك، لأن القدرة على الممتنع ممتنعة.

وهذا فاسد، فإنه يدل على امتناع حدوث العالم وهو حادث، والحادث إذا حدث بعد أن لم يكن محدثاً فلا بد أن يكون ممكناً، والإمكان ليس له وقت محدود، وما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت فيه، فليس لإمكان الفعل وجوازه وصحته مبدأ ينتهي إليه، فيجب أنه لم يزل الفعل ممكناً جائزاً صحيحاً، فيلزم أنه لم يزل الرب قادراً عليه، فيلزم جواز حوادث لا نهاية لأولها] .

معنى ذلك: أن صاحب المتن لما ذكر قدم أسماء الله التي هي في الأصل تتضمن صفات كالرازق الذي يستلزم أن يكون هناك مرزوقون، والخالق الذي يستلزم أن يكون هناك مخلوقون، وكذلك المحيي والمميت الذي يلزم منهما أن يكون هناك خلق يحييهم ويميتهم، وكذلك اسم العليم يلزم أن يكون هناك ما يعلمه، وهكذا المعز والمذل والخافض والرافع والمعطي والمانع، لا شك أنها أسماء لها آثار في الخلق، فآثارها كونه يعطي هذا ويمنع هذا ويحرم هذا ويميت هذا ويحيي هذا ويعز هؤلاء ويذل هؤلاء ويخفض قوماً ويرفع آخرين.

وهذه الصفات موصوف بها الرب تعالى في الأزل قبل أن يوجد الخلق، خلافاً لقول المعتزلة والجهمية والكلابية ونحوهم الذين يقولون: إنما حدثت بعد حدوث المخلوقات، وهذا خطأ، بل قولهم: بامتناع حوادث لا أول لها، الأولى بنا عدم الخوض في مثل ذلك، وأن نقول: الله أعلم بالمخلوقات التي خلقها أولاً، ومتى ابتدأ خلقه لها، لا نقول: إن المخلوقات ليس لها مبدأ، لكن نعلم أن ما سوى الرب تعالى حادث، والرب تعالى قديم أزلي أول، ونعلم أن حكمة الله تعالى في هذه الموجودات أنه أوجد هذا الكون بما فيه؛ ليعرف بذلك قدره ولتعرف بذلك أهليته للعبادة، وليعرف المسلمون بذلك أنهم مخلوقون لأداء حقوق ربهم سبحانه وتعالى الذي هذا خلقه وهذا تكوينه، قال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11] ، هكذا يجب أن يعتقد المسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015